مشاجرة زوجية ليست عابرة

قال رجل وقور، له مكانة واحترام من حملة الشهادات العليا، في سياق مشاجرة زوجية حامية الوطيس، مخاطباً زوجته التي شارفت على الستين عاماً، وهي، بالمناسبة، حاصلة على شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف في حقل اختصاصها، وتعتبر من النساء اللواتي حظين بالإقرار والتقدير، في كل المواقع التي شغلتها، وذلك في معرض تذكيرها بمكرماته السخية، وإحصاء نعمه عليها، حين أعطاها الإذن باستكمال الدراسة والعمل. قال، وذلك على ذمتها وبالحرف: “لو أنك تزوجتِ شخصاً متخلفاً على النقيض مني، فإنه كان سيضع قدمه فوق عنقك طوال سنين، ولم يكن ليسمح لك بالتقدم خطوة واحدة نحو الأمام”.

لم يحل عمر السيدة دون تعرضها للإهانة، المرة تلو الأخرى، عقوبة لها على التمتع بشخصية قوية مستقلة، وحضور إنساني مؤثر، إضافة إلى تميّزها الأكاديمي والمهني الذي جيّره الزوج غير العتيد لروح التسامح التي يتحلى بها. والحق أن الأمر يتعدّى المشاجرة الزوجية العابرة إلى ما هو أخطر، لأن الحالة ليست فردية، بل إن أسلوب هذا الزوج المؤسف نموذج تقليدي لنمط تفكير شائع يتطلب من المرأة أن تظل في حالة تأهب وشد أعصاب، وبذل جهد مضاعف، لأنها سوف تقطن دوماً في دائرة التشكيك بمدى قدرتها وأهليتها، وتسرد نساء مميزات، يشغلن مواقع حساسة، قاضيات ومحاميات ومديرات دوائر خدماتية وطبيبات ومهندسات، قصصاً محزنة عن كيفيه التعاطي معهن من هؤلاء الذين يرفضون مبدأ أن تكون المرأة صاحبة قرار، لقناعتهم أن أفضل مكان لها أمام حوض الجلي.

وعلى الرغم من خطوات واسعة تم تحقيقها في السنوات الأخيرة، في مجال تمكين المرأة، إلا أن العقلية السائدة في مجتمعاتنا العربية ما تزال معادية للمرأة الناجحة التي شقت، بأظافرها غير المطلية، شرنقة التملك والوصاية. وما تزال تلك العقلية المتخلفة نفسها تفترض فيها، بل تطالبها بالاعتذار عن تميّزها واختلافها عن النمط في فضاء سلطوي بائس، لن يؤنث في المدى المنظور. وبالتالي، فإنه لن يعوّل عليه في مطلق الأحوال. ويعتقد بعضهم أن ما حققته المرأة من تمييز مهني وحضور إنساني ما هو إلا نتيجة لتنازل ذكوري طوعي عن السلطة، ومكرمة جزيلة وتسامح غير محدود، وكرم أخلاق يتعين على المرأة إبداء امتنان كثير إزاءه.

ثمة في المقابل منْ يعتقد أن المرأة أكثر قدرة على الإنجاز. نظراً لما تتمتع به من صفات الصبر والمثابرة والاهتمام بأدق التفاصيل. ولعل ذلك ما يؤهلها لتحمل المسؤولية، والتصدي للمهام المطلوبة بكفاءة واقتدار، والوصول إلى أفضل النتائج، انسجاماً مع طبيعتها الأمومية القائمة على الاعتناء بالآخرين، وإتقان العطاء حتى النفس الأخير.

ومع عدم ميلي إلى التعميم، من حيث المبدأ، إلا أني أتفق مع ذلك الاعتقاد الذي يبدو مدركاً ومنصفاً لمستوى طاقات المرأة، وقدرتها على الإنجاز والتفوق والتميز، بناءً على مشاهداتٍ لا حصر لها لنماذج نسائية مدهشة ومثيرة للإعجاب حقاً. كما يمكن الجزم أن المرأة، حين تكون في موقع المسؤولية، فإنها غالباً ما تحقق تميزاً واختلافاً نوعياً في الإدارة، وتحقق تطويراً ملموسا، وتعمل على تحفيز مرؤوسيها وإطلاق طاقاتهم الكامنة باتجاه الإبداع والابتكار، وعلى الرغم من جديتها وحزمها وصلابة شخصيتها، إلا أنها لا تفقد تلك اللمسة الإنسانية الضرورية في التعامل مع الآخرين. وفي الغالب الأعم، فإنها تؤدي مهام عملها بإخلاص وتفانٍ، من المفترض أن يكسبها الثقة والاحترام، غير أن ما يحدث، في أحيانٍ كثيرة، محبط وباعث على الأسى، إذ تجابه مثل تلك النماذج النسائية المشرقة بالرفض ومحاولة التشويه، يشنها، في العادة، رجال يفتقدون إلى الثقة بالنفس، غير مؤهلين حضارياً لتقبل فكرة تفوق المرأة في أي حقل، لأنها، من وجهة نظرهم، وعلى الرغم من ادعائهم الانفتاح والتقدمية، ينظرون إليها نظرة دونية، لا تخلو من استخفاف، باعتبارها كائناً أقل مرتبة. ما يجعلها دائمة التوق والتحفز إلى إثبات العكس، فتقع أحياناً في الإحباط والكآبة، ردة فعل طبيعة لا مفرّ منها في بيئة قاحلة معرفيا، معادية للجمال من حيث المبدأ.

بقلم بسمة النسور

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.