سينما بالألوان

• يُعدّ اللون أحد العناصر الأساسية في التركيبة البصرية لأيّ مشهد سينمائي ، فهو جزء لا يتجزأ من عملية السرد البصري في السينما ، وبراعة المخرج تكمن في معرفته كيفية استخدام الألوان لسرد قصة. منذ عصر السينما الصامتة، كانت هناك رغبة شديدة بمشاهدة الألوان على الشاشة الكبيرة، فلطالما اعتمدت السينما على عناصر الإبهار البصرية منذ بداياتها الأولى.

وقام رواد عالم التصوير والسينما مثل توماس ألفا اديسون و جورج ميلييس بتلبية رغبة المشاهدين بالاستمتاع بروعة الألوان، لدرجة دفعتهما إلى تلوين كل لقطة في بعض أفلامهما المصورة بالأبيض والأسود ، مما زاد من روعة تلك الأفلام الأولى رغم بدائية أساليبها.

استخدمت الألوان في البداية لإظهار الطابع السحري الحالم للسينما، وخلق عالم أخر يهرب إليه المشاهد من حياته اليومية. وسرعان ما أصبحت الألوان عنصرا أساسيا في عملية سرد القصص على الشاشة أوما يسمى بالسرد البصري. واستخدمت فلترات الألوان لإضفاء صبغة معينة على الأفلام.

في فيلم Intolerance استخدم “د.و. غريفيث” ألوانا مختلفة ليصور حقبات زمنية مختلفة.

و فيلم Greed لاريك فون ستروهان يتحدث عن رجل تربح زوجته اليانصيب ، صُور الفيلم بالأبيض والأسود وتم تلوين المال يدويا باللون الأصفر في جميع المشاهد ، وفي نهاية الفيلم يصبح الرجل محاطا باللون الأصفر دلالة على تعاظم جشعه بحيث اصبح يتملكه السعي وراء الذهب.

يلعب اللون في تحديد المزاج العام للفيلم واتجاهه وقد نجح رواد السينما الأوائل في إدراك عكس اللون مزاجا معينا واستخدموا ذلك بنجاح لكن الأمور ازدادت تعقيدا مع سينما تكنيكولور ، فهناك ألوان تتمازج بسلاسة مع بعضها الآخر وأخرى تتنافر. ويمكن تسخير هذين العنصرين لخلق حالات درامية مؤثرة ضمن المشهد، واستخدام تدرج الألوان بنجاح ينتج صورة أكثر جودة .

تظهر الألوان أجواء متباينة من اليأس والوحدة والخطر والتوتر. وعند دراسة العقل البشري نجد أن البشر يتفاعلون بطرق مختلفة تجاه ألوان معينة ، والسينما تستخدم الألوان من هذا المنطلق.

معظم الناس يتفاعلون بشكل قوي مع اللون الأحمر الذي يُستخدم لإبراز العنف والقسوة، كما يُستخدم لإظهار مشاعر المودة والحب.

اللون الأخضر في حقل، مثلا، يمنحنا شعورا بالأمل ويعكس الخصوبة والخير ، لكن بعض الأماكن الخضراء تظهر ملل الحياة الروتينية وخلوها من المباهج، أما شخص بلون أخضر، فغالبا ما يكون هو الوحش.

في فيلم Kill Bill يصبح زي أوما ثورمان معبرا بألوانه عن شخصية البطلة ويصبح لون الأصفر والأسود رمزا للخطر .

المخرج ويز اندرسن يعتبر من الأبرع بين ابناء جيله في استخدام لوحات الألوان وتدرجها لخلق جو عام في أفلامه.

في فيلم Moon Rise Kingdom على سبيل المثال لا الحصر، استخدم ألوانا متجانسة وممتعة للنظر وهادئة، خدمت الفيلم وأعطته دفئًا وحنينًا لحقبة زمنية ماضية. وكذلك في أفلامه الأخرى مثل Grand Budapest Hotel.

على المقلب الآخر قد تُعزز بعض الألوان المتناقضة بعضها الآخر، فقد نرى الأحمر والأخضر والبرتقالي والأزرق في لوحة سينمائية لا تزعج العين، عبر استخدامها بتوازن مدروس.

اللون وحده يسهم في التعرف السريع على الشخصيات ودورها في القصة، فمن لون السيف نعرف من هو البطل ومن هو الشرير في سلسلة أفلام Star Wars حرب النجوم .

في فيلم العرابThe Godfather ارتبط اللون البرتقالي بالموت. فيلم Hero استخدم الألوان لإظهار وجهات النظر المختلفة لأبطاله الذين يروون أحداث القصة، ولكن من زوايا مختلفة. وخلق اللون الجو العام والإطار الجمالي لكل قصة من هذه القصص المتباينة.

ويبدو تغيير اللون في أي فيلم دلالة على التحول والتغير في شخصية ما، فإذا ارتبط لون بشخصية ما ثم تغير هذا اللون، فهذا يرمز إلى تغير في الشخصية نفسها. التغير قد يكون في مكان وجود الشخصية او في حالتها العقلية وإدراكها.

في فيلم The Last Emperor يخف اللون الأحمر تدريجيا مع نمو وعي الشخصية الرئيسية ، فنجد اللون الأحمر طاغيا في مرحلة طفولة البطل ثم ينحسر تدريجيا مع نضوجه فكريا. وأحيانا إذا كان التغير مفاجئا يتغير اللون بسرعة ايضا.

فيلم Vertigo استخدم المخرج العبقري الفرد هيتشكوك اللون الأحمر والأخضر ليرمز إلى الشخصيتين الرئيستين، واستخدم الأحمر للدلالة على الخطر والمغامرة .

ماذا نستنتج إذا ؟ لا توجد قواعد ثابتة لكيفية استخدام الألوان. لكن فهم تأثيرها في نفسية البشر يساعد على معرفة كيفية استخدامها. هذه بعض الأمثلة من تاريخ سينمائي طويل توضح أهمية التقنيات البصرية في خدمة السينما، فاللون كان وسيبقى أحد أهم وسائل المخرجين البصرية لسرد قصة.

بواسطة جمال قبطان

كاتب لبناني متخصص في الشؤون السينمائية والنقد الفني