الطفل والرجل والباروكة!

• من خلال تعاملي مع جميع أنواع البشر تقريباً توصلت إلى نظرية خاصة وهي أنه كلما زادت ثقافة الإنسان يصبح أكثر غموضاً في كل شيء. وعلى العكس من ذلك، فإنه كلما ازداد الإنسان جهلاً يصبح واضحاً في كل شيء! والدليل على صحة هذه “النظرية” هو أن الطفل الصغير الذي لا يتجاوز الخمس سنوات من عمره هو النوع الوحيد من البشر الذي يقول رأيه بصراحة تمامة وبشكل واضح عندما يجيب على أي سؤال توجهه إليه.

فإذا سألت الطفل الصغير: ما رأيك في “الباروكة” التي تضعها والدتك على رأسها اليوم؟ فإنه يجيب بكلمة واحدة فإما أن يقول أن “الباروكة” حلوة أو يقول إنها بشعة.
ولكن إذا وجهت السؤال نفسه إلى رجل يجلس في المكان نفسه. فإنه قد يجيب بعبارات طويلة وغامضة فإذا كان الرجل جاهلاً غير متعلم فإنه قد يقول أن الأمر لا يهمه أو أنه ضد أن تلبس النساء “باروكات” أو أنه لا يفهم مثل هذه الأمور النسائية ، وقد يقول أشياءً كثيرة لكنه لا يجيب على السؤال المطروح أصلاً.

أما إذا كان الرجل مثقفاً فإنه يقول رداً على السؤال نفسه: أعتقد أن لون “الباروكة” يتناسب مع لون بشرة السيدة ، كما أن نوع هذه “الباروكة” ملائم للوجوه المستديرة، وبما أن السيدة تملك وجها مستديراً فإن “الباروكة” في نظري تظهر جمال الوجه وتؤكد سلامة ذوق صاحبتها.

وإذا كان السؤال موجهاً إلى رجل مثقف جداً فإنه يقول: في الواقع تبدو لي المسألة من الناحية التكوينية البحتة لوضع “الباروكة” بشكل انسيابي مع الملامح الجانبية غير المرئية من الطلب الجمالي المميز لوجه هذه السيدة، إن وضع “الباروكة” بهذا الأسلوب المدروس بعناية، إنما يؤكد وجود حالة تناغم ميتافيزيقي بين الشكل والمضمون. بحيث نصل إلى نتيجة لا شك فيها وهي أن اختيار هذا النوع من “الباروكات” يدل على أن السيدة ذات مستوى رفيع بكل تأكيد.

وبذلك نلاحظ أن الرجال قد يقولون كل شيء يخطر على بالهم إذا سألتهم عن رأيهم في “باروكة” تضعها سيدة فوق رأسها، ولكنهم لا يجيبون على السؤال مباشرة كما يفعل الطفل الصغير الذي يقول رأيه في كلمة واحدة فقط لا تحتمل أي تفسير أو مجاملة. ومع ذلك فإن “اللف والدوران” في الكلام يعتبر أمراً ضرورياً للرجال في هذه الأيام، لأن أي رجل في العالم لا يستطيع أن يجيب على أي سؤال يتعلق بزوجته بصراحة تامة، إلا في حالة واحدة وهي أن تكون الزوجة غير موجودة في المكان نفسه!

بقلم عبد الكريم بيروتي
كلام نسوان

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.