عندما تفقد الجوهرة

• يقول أحد الازواج تشاجرت كالعادة مع زوجتي على سبب تافه سرعان ما تطور حتى قلت لها إن وجودها فى حياتي لا معنى له وأنه وعدمه واحد ، وأن كل ما تفعله تستطيع أي خادمة أن تفعله وربما بشكل أفضل. فما كان منها إلا أن نظرت لي بعين دامعة وتركتني وذهبت إلى الغرفة الأخرى ، بينما رميت أنا الأمر خلف ظهرى دون مبالاة وخلدت إلى نوم عميق.

مر هذا الموقف على ذهني وأنا أشيع جثمان زوجتي إلى قبرها والحضور يعزيني على مصابي فيها. الشيء الذي راودني هو أني لم أشعر بفرق كبير ، ربما شعرت بشيء من الحزن لكنني كنت أبرره بأن العشرة كان لها وقعٌ على نفسي ، وأنني وسأنسى كل ذلك خلال يومين أو أكثر. عدت إلى البيت بعد إنتهاء مراسم العزاء ، ولكن ما أن دخلته حتى شعرت بوحشة شديدة تعتصر قلبي وبغصة فى حلقي لا تفارقه. أحسست بفراغ فى المنزل لم أعتده وكأن جدران البيت غادرت معها. ثم استلقيت على السرير متحاشيا النظر إلى موضع نومها.

بعد ثلاثة أيام انتهت مجالس العزاء. أستيقظت فى الصباح متأخرًا عن موعد العمل ، فنظرت إلى موضع نومها لأوبخها على عدم إيقاظي باكراً كما اعتدت منها ، لكني تذكرت أنها تركتني إلى الأبد ، ولا سبيل إلا أن أعتمد على نفسي لأول مرة منذ تزوجتها. ذهبت إلى عملي ومر اليوم عليّ ببطء شديد ، لكن أكثر ما افتقدته كان مكالمتها اليومية لتخبرني بمتطلبات البيت والذي يتبعه شجار كالمعتاد على نوع الطلبات ، وطلبها مني ألا أتأخر عليها كثيراً ، وفكرت أنه بالرغم من أن هذه المكالمة اليومية كانت تزعجني ، لكني لم أفكر قط بأن طلبها مني ألا أتأخر لربما كان بسبب حبها لى. أتذكر الآن كلماتها الحنونة ، التي لم أترجمها واقعاً في حينه ، فقد كنت أتعمد التأخير عنها بزيارة أصدقائي ثم أعود إلى البيت وقلبي يتمنى أن يرى ابتسامتها الصافية تستقبلني على الباب وأن أسمع سؤالها المعتاد: هل أحضرت طلبات البيت؟

كنت أرى في سؤالها سوء استقبال لي ، ولكني الأن أشتاق إلى سماعه ولو لمرة واحدة ، فالبيت أصبح خاوياً لا روح فيه ، والدقائق تمر عليّ وحيداً كأنها ساعات. كيف تركتها تقضى الساعات وحيدة يومياً دون أن أفكر فى إحساسها؟ كم من مرة أهملتها وكنت لا أنظر إلا لنفسي دون أن أنظر إلى راحتها وسعادتها؟ كم فكرت فيما أريد أنا … لا ما تريده هي … وزاد وطأ فراقها عليّ حين أصابني المرض … كم افتقدت يديها الحانيتين ورعايتها لي وسهرها عليّ حتى أن يتم الله سبحانه شفائي كأنها أمي لا زوجتي. بكيت كما لم أبكِ قبلاً ولم أفتأ أردد ربي رحمها بقدر ما ظلمتها أنا ، وظللت هكذا حتى صرعنى النوم ولم أستفق إلا على رنين جرس المنبة فاعتدلت في فراشي …

لكن مهلاً … تمتمت بكلمات الشكر لله تعالى. كان مجرد حلم ، فلم يحدث شيء من هذا فى الواقع … هرعت إلى الغرفة التى بها زوجتي … اقتربت منها وقلبي يكاد يتوقف من الفرح. وجدتها نائمة ووسادتها مبللة بدموعها. أيقظتها … نظرت إليّ هي بإستغراب لا يخلو من العتاب … لم أتمالك نفسي وأمسكت بيديها وقبلتهما … ثم نظرت إليها وقلت لها من كل قلبي إني أحبها وأنني اكتشفت أني لا أستطيع الحياة دونك. سألتها ماذا أبكاك؟ قالت: خفت عليك لما وجدتك تتنفس بصعوبة وأنت مغمور في حلم مزعج.

لقد جعلني هذا الحلم أدرك أن المرء لا يقدر الجوهرة التي يمتلكها إلا عندما يفقدها ، وأن علاقة الزوج بزوجته يجب أن تترسخ على المودة والرحمة ، والصبر في مواجهة مشاكل الحياة والقناعة التامة بالمقسوم.

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.