البونتياك وحساسية الفانيليا

في أواخر الستينيات من القرن الماضي أنتجت شركة جنرال موتورز طرازاً جديداً من سياراتها أطلقت عليه اسم بونتياك. وعندما اشترى أحد المواطنين هذا الطراز وجد فيه عيباً ، فبعث برسالة شكوى لخدمة العملاء الخاصة بالشركة ، إلا أنه لم يحصل على رد منهم ، فقرر كتابة رسالة أخرى جاء فيها:

هذه هي المرة الثانية التي أراسلكم فيها ، ولا ألومكم على عدم الإجابة لأن كلامي لا يبدو منطقياً البتة ، لكنه مع ذلك يبقى حقيقة واقعة ، فالحقيقة الأولى هي أنني معتاد كل مساء على الخروج بالسيارة مع أسرتي لشراء الأيس كريم بعد العشاء ، وقد لاحظت أنه عندما أشتري أيس كريم بنكهة الفانيليا ، وأعود به إلى سيارتي البونتياك الجديدة أجد أن محرّك سيارتي يرفض الدوران ، أما إذا اشتريت نوعاً آخر من نكهات الأيس كريم مثل المانجا أو الفراولة أو الشوكولاته ، فإن محرك سيارتي يدور وتعود السيارة إلى السير بطريقة طبيعية. والحقيقة الأخرى أنني لم أمر بهذه المشكلة مع سيارتي الأولى ، لذلك أريد أن أعرف ، مهما بدا سؤالي سخيفاً ، لماذا يرفض محرك سيارتي البونتياك الدوران عندما أشتري أيس كريم بنكهة الفانيليا ، لكنه يعود ويعمل بشكل طبيعي عندما أشتري نكهة أخرى؟

وصلت رسالة الشكوى إلى مدير الشركة الذي اطلع عليها وقرأها والذي كان في بادئ الأمر يشك في أنها دعابة ، إلى أن قرر إرسال مهندس من شركته للتحقيق في هذه المسألة الغريبة. وصل المهندس لمقابلة صاحب الشكوى ليتفاجأ بأنه شخص متعلّم ومثقف جداً ، وكانا قد اتفقا على أن يلتقيا بعد العشاء. ركب المهندس سيارة البونتياك مع صاحب الشكوى وتوجها بها إلى محل الأيس كريم. عند وصولهما خرج الإثنان من السيارة وذهبا لشراء أيس كريم الفانيليا ، ولدى عودتهما إلى السيارة ، رفض محرك السيارة الدوران ، كما أوضح صاحب الشكوى في رسالته من قبل.

قرر المهندس العودة مع صاحب الشكوى إلى محل الأيس كريم لثلاثة ليالي على التوالي. في الليلة الأولى ، اشترى صاحب الشكوى أيس كريم بنكهة الشوكولاته ، وعند عودته ، دار محرك البونتياك وانطلقت السيارة بشكل طبيعي. في الليلة الثانية ، ذهبا معاً لشراء أيس كريم بنكهة الفراولة ، وعند عودتهما دار محرك البونتياك وانطلقت السيارة بشكل طبيعي مجدداً. في الليلة الثالثة ذهبا معاً ، ولكن هذه المرة اشتريا أيس كريم الفانيليا ، ولدى عودتهما … رفض محرك البونتياك الدوران.

راح المهندس ، والذي كان رجلاً منطقياً ، يفكر ملياً في هذه الحالة الغريبة لكنه رفض فكرة أن تكون سيارة صاحب الشكوى مصابة بحساسية من أيس كريم بنكهة الفانيليا. فقرر أن يتابع زيارته لصاحب الشكوى ، والتحقيق في المشكلة مهما لزم ذلك من وقت لحلها. بدأ المهندس بتدوين ملاحظاته وجمع بيانات مختلفة كالوقت والساعة التي تحصل فيها المشكلة ، ونوع الوقود المستخدم ، وزمن الرحلة من وإلى محل الأيس كريم ، إلخ. وسرعان ما وضع المهندس يده على أول الخيط لحل اللغز ، حيث وجد أن صاحب الشكوى يستغرق وقتاً أقل عند شراء الأيس كريم بنكهة الفانيليا ، بسبب تقسيم محل الأيس كريم.

لاحظ المهندس أن أيس كريم الفانيليا وهو النوع الذي يوجد عليه طلب كبير ، يتم وضعه في مقدمة المحل ليكون أقرب للزبائن. أما بقية نكهات الأيس كريم فتوجد في مؤخرة المحل في برادات أخرى يقوم العمّال بتحضيرها ، وبذلك تستغرق وقتاً أطول يمضيه الزبائن في انتظارها. وهنا وجد المهندس نفسه أمام السؤال التالي ، لماذا يرفض محرك البونتياك الدوران خلال الفترة الزمنية القصيرة التي يعود فيها صاحب الشكوى بأيس كريم الفانيليا ؟

عندما تبين أن الزمن أو الوقت هو سبب المشكلة وليس أيس كريم الفانيليا ، توصل المهندس إلى الإجابة ووجد أن المشكلة تكمن في قفل التبخير أو Vapor Lock داخل المحرك. فحين يتوجه صاحب الشكوى لشراء أيس كريم الفانيليا ، فهو لا يستغرق وقتاً طويلاً ويعود إلى السيارة بسرعة ، وفي ذلك الوقت يكون المحرك لا يزال ساخناً ، ولا يتبدد بخار الوقود السائل فيرفض المحرك الدوران ، أما عندما يذهب صاحب الشكوى لشراء نكهة أخرى من الأيس كريم ، فإنه يستغرق وقتاً أطول في العودة إلى سيارته ، ما يتيح للمحرك الوقت الكافي ليبرد ويدور من جديد.

من هذه القصة إذاً يتبين لنا أن لكل شخص دوراً يلعبه ، فلولا تفاني رئيس الشركة في خدمة الشركة من خلال موقعه واطلاعه على رسائل الشكاوى بمصداقية حتى لو بدا بعضها غريباً أو درباً من الخيال ، لما أرسل مهندساً للتحقق من المشكلة. أما المهندس وما أبداه من حسن متابعة وملاحظة لدقائق الأمور وأصغر التفاصيل ، فقد مكنّه ذلك إلى جانب خبرته الهندسية من حل اللغز ، ووضعه في مكانه الصحيح ، ومن ثم العثور على حل يساعد على تطوير المحرك وتجنب مثل هذه المشكلة في المحركات الجديدة.

المصدر

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com