يُحكى أن شيخاً عالماً كان يمشي مع أحد طلابه بين الحقول ، وأثناء سيرهما شاهدا حذاءاً قديماً اعتقدا أنه لرجل فقير يعمل في أحد الحقول القريبة والذي كاد عمله ينتهي بعد قليل. فالتفت الطالب إلى الشيخ وقال:
هيا بنا نمازح هذا العامل بأن نخبئ حذاءه ونختبئ وراء الشجيرات ، وعندما يأتي ليلبسه يجده مفقوداً فنرى دهشته وحيرته !
فأجابه الشيخ العالم يقول:
بني ، يجب ألا نسلي أنفسنا على حساب الفقراء. أنت غني ويمكن أن تجلب لنفسك مزيداً من السعادة التي قد تعني شيئاً لذلك العامل الفقير. فلمَ لا تضع قطع نقدية داخل حذائه ، ولنختبئ لكي نشاهد مدى تأثير ذلك عليه ؟!
أعجب الطالب باقتراح الشيخ العالم وقام بوضع قطع نقدية في حذاء العامل ، ثم اختبأ هو والشيخ خلف شجيرات ليريا ردة فعل العامل الفقير …
مرّت دقائق عاد بعدها عامل فقير رث الثياب بعد أن أنهى عمله في المزرعة ليأخذ حذاءه ، وإذ به يتفاجأ عندما وضع قدمه داخل الحذاء بأن شيئاً كان بداخله ، وعندما أخرج ذلك الشيء وجده نقوداً ! قام بتفقد فردة الحذاء الأخرى فوجد نقوداً أيضاً ! نظر ملياً إلى النقود وكرر النظر إليها ليتأكد من أنه لا يحلم … بعدها نظر حوله في كل الاتجاهات ولم يجد أحداً ! وضع النقود في جيبه وخر على ركبتيه راكعاً على الأرض ينظر إلى السماء باكياً ، ويقول بصوت عالٍ يخاطب ربه:
أشكرك إلهي يا من علمت أن زوجتي مريضة وأولادي جياع لا يجدون كسرة خبز ، فأنقذتني وأسرتي من الهلاك.
استمر العامل الفقير يبكي طويلاً ناظراً إلى السماء حامداً هذه المنحة الربانية الكريمة. تأثر الطالب كثيراً بالمشهد أمامه ، وامتلأت عيناه بالدموع … عندها قال له الشيخ الجليل: ألست الآن أكثر سعادة مما لو فعلت اقتراحك الأول وخبأت الحذاء ؟
أجاب الطالب: لقد تعلّمتُ درساً لن أنساه ما حييت … فالآن فهمت معنى كلماتٍ لم أكن أفهمها في حياتي وهي عندما تعطي ستكون أكثر سروراً وسعادة من أن تأخذ.
فقال له الشيخ: فلتعلم يا بني أن العطاء أنواع ، العفو عند المقدرة عطاء ، الدعاء لأخيك في غيبته عطاء ، التماس العذر له وصرف ظن السوء به عطاء ، والكف عن عرض أخيبك في غيبته عطاء. هذه بعض العطاءات حتى لا ينفرد أهل المال بالعطاء وحدهم.