جراحو التجميل الأوائل

قد يعتقد الكثيرون منّا أن جراحة التجميل هي من الظواهر الجديدة نسبياً ، لكن الوقائع التي سنضعها بين أيديكم ، تبين أن جراحة التجميل تعود في أساسها إلى آلاف السنين. ولا نقصد هنا أن نساء العصر الحجري خضعن لعمليات تكبير أو تصغير للثدي ، إطلاقاً. بل نقصد أن الرغبة في إدخال التحسين على الشكل والمظهر العام هي بقدم الجنس البشري نفسه.

لقد كان المظهر الخارجي للجسم عند قدماء المصريين من الأمور التي أولوها اهتماماً كبيراً ، فكانت الحضارة الفرعونية أول حضارة في التاريخ يستخدم أفرادها المكياج أو كما تُعرف في الفصحى بمستحضرات التجميل. وكان المصري القديم إذا ألمت به إصابة لم تستطع مستحضرات التجميل تلك أن تخفيها ، كان يتم اللجوء إلى الجراحات الترميمية كأحد خيارات العلاج. وذلك بحسب ما أظهرته سجلات قديمة من أوراق البردي تعود إلى القرن 1600 قبل الميلاد تفصّل إجراءات علاج الأنف المكسور من خلال حشو فتحة الأنف بمادة اصطناعية إلى أن يتم شفاء المريض. إن تلك الإجراءات العلاجية في جوهرها كانت تعتبر عملية لتجميل الأنف بالمفهوم الطبي.

لاحقاً وبعد ألف سنة تقريباً ، وفي الهند تحديداً ، يظهر لنا جراح يُدعى سوشروتا. طوّر سوشروتا شكلاً معقداً نسبياً لعملية تجميل الأنف ، وسرعان ما انتشرت طريقته تلك في نهاية الأمر في العالم العربي ومنه انتقلت إلى أوروبا.

أما خلال القرن الـ 15 ، فقد كان للأطباء الصقليين الريادة في ابتداع إحدى طرق تخييط وإقفال الجروح على نحو كان يترك أقل أثر أو ندب ممكن على المريض. وفي القرن الـ 16 كانت طرق الترقيع الجلدي في بداية ظهورها واستخداماتها بدأت تتسع بصفة مستمرة. لكن القرن الـ 19 شهد تحوّلاً مهماً على صعيد هذه الجراحة الطبية ، والتي باتت تُعرف أو يشار إليها فيما بعد بالجراحة التجميلية ، وذلك بفضل جراح ألماني يُدعى كارل فون غراف ، الذي يُعتبر أحد رواد الجراحات الترميمية.

ما ذكرناه سلفاً في البداية حول تلك العمليات الجراحية هو أنها كانت في أغلب الأحيان تُجرى على أشخاص تعرضوا لإصابات أو أضرار بالغة إما في الوجه أو الجسد. لكن ، من هم الرواد الذين كانت لديهم الشجاعة الكافية ليحوّلوا تلك الجراحة الترميمية إلى جراحة تجميلية تحت الطلب؟ للإجابة على هذا السؤال نشير إلى أن أول عملية تكبير لصدر المرأة باستخدام حشوات السيليكون قام بتطويرها كل من فرانك جيرو و طوماس كرونين ، أما أول امرأة خضعت لعملية تكبير الصدر ، لأسباب غير طبية كاستئصال الثديين ، وإنما لغرض تحسين مظهرها العام ، فكانت سيدة تُدعى تيمي جين لينزي.

من خلال ما نراه اليوم على شاشات التلفزة ، أو ما نطالعه من حين لآخر على شاشات هواتفنا الذكية من غرائب المكياج وعمليات التجميل المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ، فإنه من المؤكد أن جراحة التجميل قد تحوّلت من وسيلة طبية ترميمية إلى صناعة ضخمة ، يدخل عليها كل بضع سنوات تطورات تقنية مذهلة ، بعضها في غاية الجنون ، وقادرة على أن تأخذ تلك الصناعة إلى مستويات لا يعرف عواقبها أحد ، كعملية عين الجوهرة مثلاً ، والتي ربما تراها في المستقبل القريب ، ويتم خلالها زراعة جواهر بلاتينية دقيقة في العين لإعطائها بريق لامع. خيال ؟ جائز ، لكن حتماً ما نراه اليوم وما سنراه غداً  من عمليات “تجميل” ستجعلنا نترحم على زمن حشوات الأنف الفرعونية.

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com