هل تدوم الصداقة 10 سنوات؟

لماذا لا تدوم معظم الصداقات بين الناس ، وماذا يحدث عندما يتغيّر الأصدقاء أو يبتعدون عن بعضهم البعض ؟ أسئلة قد تدور في أذهان الكثير من الناس لا سيما المغتربين منهم والمهاجرين. كل شيء له نهاية يا صديقي ، ولا شيء يدوم غير وجه ربك ذو الإجلال والإكرام … عبارة نعرفها ونسمعها كثيراً ، وعادة ما نرددها في العديد من المواقف المختلفة في حياتنا. لكن في هذه المقالة سأركز على أسباب انتهاء علاقة الصداقة بين طرفين أو أكثر.

بما أننا نتفق على أن لا شيء يدوم في هذه الدنيا فحتماً سيكون مصير الغالبية العظمى من الصداقات الانتهاء هي أيضاً. يُعطي بعض علماء النفس والاجتماع الصداقة أجلاً مسمى بعشر سنوات ، بينما في الواقع تنتهي بعض هذه الصداقات بالسرعة نفسها التي بدأت فيها. ولكن لماذا ؟ لماذا تنتهي علاقة الصداقة بين أي شخصين وكأنها لم تكن؟ الإجابة ببساطة هي لأن أغلب الناس يتغير ، فمنهم من ينتقل للإقامة في مدينة أخرى فيكون البعد في هذه الحالة جغرافياً وعاطفياً. كما أنه نادراً ما توجد صداقة كاملة الأركان تماماً لا يدخل عليها شيء من النزاع أو المشكلات. 

حتماً هناك أصدقاء تنسجم معهم أكثر من غيرهم على سلم أفضل الأصدقاء لديك. ولكن قد تسأل نفسك إذا كانت علاقات الصداقة هذه في أفضل أحوالها فلماذا لا تدوم؟ يبين عدد من الأبحاث أن معظمنا غالباً ما يستبدل الأصدقاء بأصدقاء آخرين إما بطريقة مقصودة أو غير مقصودة. كما تشير تلك الدراسات إلى أن المرء يفقد نحو نصف أصدقائه ويستبدلهم بآخرين جدد كل نحو 7 – 10 سنوات لعدة أسباب منها افتقار علاقة الصداقة تلك إلى رابط شرعي. 

ففي العلاقات المجتمعية الأخرى كالزواج على سبيل المثال ، يكون الرابط قانونياً بين شخصين ، وهو ما يوثق تلك العلاقة على الصعيد الشرعي والعاطفي. وهنا يلعب أهل الزوجين – في الأغلب – دوراً في المساعدة على دعم هذا الرابط وحفظه بين الطرفين. فليس من السهل دائماً على سبيل المثال أن تبتعد عن شريك حياتك وترحل عنه دون أن تترجم ذلك البعد بإعلان الانفصال الشرعي والقانوني.

أما في علاقة الصداقة فليس هناك أي التزام رسمي. فالبعض يبني صداقات تكاد تكون فورية (والفايسبوك وأمثاله يشهد على ذلك) ولا تحتاج إلى أي توثيق قانوني. بينما يتحوّل بعض الأصدقاء على مر السنين بشكل رمزي ليصبحوا كأحد أفراد العائلة ، ونشعر بالامتنان تجاههم لسنوات طويلة ، ولا تنشأ أية نزاعات أو مشكلات تذكر معم طيلة أمد تلك العلاقة. هذا من الجانب الإيجابي لعلاقة الصداقة. أما من جانبها السلبي ، فقد تنتهي معظم هذه الصداقات دون إبداء طرف من الطرفين أية أسباب. فقد يتوقف صديق عن مخاطبة صديقه فجأة. أو قد يخون الصديق صديقه لتنتهي تلك العلاقة بصورة فورية. وهذا بالتحديد ما يجعل علاقة الصداقة من الأشياء الرائعة والمروّعة في آن معاً. 

 من الأسباب الإضافية لانتهاء علاقة الصداقة هي أن العلاقات الأخرى الموجودة في حياتنا عادةً ما تكون ذات أولوية أكبر من علاقة الصداقة. فلو كنت تعيش في عالم أفلاطوني مثالي ، ستكون قادراً على أن توازن وتوفّق بين علاقاتك المختلفة بين أصدقائك وأولادك وأفراد عائلتك وأسرتك. أما على أرض الواقع ، ففي العديد من المواقف ستجد أن أسرتك وعائلتك تأخذ الحيز الأكبر من اهتمامك وتحتاج إليك أكثر ، وبالتالي ينعكس ذلك سلباً على علاقات الصداقة لديك. وهذا ما يحدث عادةً عندما تكون مشغولاً بشكل عام ، أو عند حصول مشكلة عائلية أو أزمة صحية أو عند وقوع حادث مؤلم لا سمح الله.

إن الصداقة بحاجة إلى أن تكون علاقة مرنة كي تدوم ، وبدون تغذية تلك العلاقة بالشكل الملائم والصحيح ، تصبح نهايتها شبه مؤكدة. لذلك فإن دوام أي علاقة صداقة يتطلّب أن يتمتع طرفاها بقدر عالٍ من الصبر والإدراك ليتفهم الصديق وضع صديقه في حال قال له مثلاً أن ليس لديه الوقت من أجله الآن … ومن ثم أظهرا القدرة على الالتقاء مجدداً دون امتعاض بعد انتهاء تلك الأزمة العائلية أو خلافها التي يمر بها أحد الطرفين. 

 غير أن المشكلة هنا هي أن طبيعة الإنسان لا تقبل بذلك عادةً. فمن الأصدقاء من يستفيد عاطفياً من علاقات الصداقة لديه ، ومنهم من يعتمد عليها في حياته. وهذا يعني أن لو الصديق وضعك في مرتبة أدنى وأنت في وقت حاجة ، فقد تشعر عندئذ بأنه جرحك ، كما أن هذا الوضع يسلبك ركناً مهماً من نظام الدعم النفسي الذي تمثله لك هذه الصداقة. وعندها قد تتذكر الأوقات التي فضلّت فيها صديقك على نفسك ووضعته في المقام الأول ، فتشعر بالامتعاض لأنه لم يبادر بالشيء نفسه تجاهك. إن علاقة الصداقة ليست علاقة “هات وخد” متساوية أبداً ، فلا يمكن أن تتذكر الوقت الذي قضيته في مساعدة صديق وتطالب بالشيء ذاته لأن حقيقة الأمر هي أن كلا الطرفين قادر على فعل أشياء أخرى لجعل علاقة الصداقة هذه أكثر توازناً. أضف إلى ذلك أن بعض علاقات الصداقة تتحوّل إلى علاقة إتكالية وتواكلية تؤذي أحد الطرفين أكثر من الآخر ، فتصبح استغلالية في جوهرها ، وهذا يُعد من أسوأ علاقات “الصداقة” المبنية على استفادة طرف على حساب طرف آخر.

لكن أحد أهم الأسباب التي تبقى قادرة على إنهاء أي صداقة هي أن حياتنا في حالة تغيّر مستمر. فقد نتزوج وننجب أو ننتقل إلى محل إقامة آخر ، أو ربما نجد وظيفة جديدة تضطرنا إلى الابتعاد ، أو قد يطرأ حدث كبير على حياتنا يغيرنا ويغير أصدقائنا. وحتى لو مر صديقك بالتجربة نفسها – كالزواج مثلاً- في الوقت نفسه الذي تمر أنت بتلك التجربة ، فقد تختلف نظرتكما حول شؤون الحياة من تلك اللحظة وما بعدها ، أو قد يطرأ تغيير على الأمور التي تمران بها. إلا أن بعض الصداقات يمكن أن تتحمّل هذا التغيير ، وعادة ما تكون بين أشخاص تمكنوا من تجاوز نزاعات أو مشكلات قوية بنجاح ، واستطاعوا التأقلم مع التغيير بشكل جيد. 

لكن في معظم علاقات الصداقة الأخرى ، فإن هذا التغيير يعني ظهور أرضية جديدة من شأنها أن تدق وتداً بين الصديقين ، بالرغم من أن علاقة الصداقة بينهما تبدو جيدة على السطح. لربما كان مصير أي علاقة صداقة هو مصير مؤقت أحياناً ، لكن لا شك في أن كل صديق تلتقي به في حياتك سوف يلقنك درساً لا يُنسى. لذا من الأجدر أن تستمتع بصدقاتك القائمة طوال فترة وجودها في حياتك ، وأن لا تنسَ أن الصديق الحق هو من تجده في وقت الضيق !

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com