المنبهاتي الذي انقرض

إذا كنت واحداً من أولئك الأشخاص الذين يصعب إيقاظهم من النوم في الصباح الباكر ، لاسيما إن لم تحظ بقدر كاف من النوم في الليلة السابقة ، فقد تتساءل كيف يا تُرى كان سكان المدن يستيقظون باكراً فيما مضى قبل ابتكار الساعات المنبهة بأجراسها المختلفة ، أو توزيع عدد منها في أنحاء الغرفة لإجبارهم على النهوض من الفراش ، والذهاب إلى أعمالهم أو للحاق بموعد مهم يتوقف عليه مستقبل النائم ؟

قد يكون جرس المنبه أو رنين هاتفك المحمول الآن فعالاً في أغلب الأحيان لإيقاظك من النوم ، لكن ماذا عن الذين قد يعجز جرس المنبه أو صياح الديوك عن إيقاظهم في الماضي ، لاسيما قبل انتشار المنبهات العاملة بالزمبلك ؟

تشير السجلات التاريخية إلى أن مهنة المنبهاتي ، وهي حرفة زاولها  متخصصون في بريطانيا وأيرلندا قبل قرنين من الزمان ، كانت من المهن البالغة الأهمية التي تضمن وصول العمّال إلى وظائفم في الموعد المقرر. فكان المنبهاتي يستخدم عصا رفيعة وخفيفة الوزن يدق بها على زجاج نوافذ الطابق العلوي من البيت لإجبار النيام من زبائنه على الاستيقاظ من فراشهم ، ومنهم من كان ينفخ حبوب البازيلاء اليابسة على زجاج النوافذ ليوقظ إزعاجها النائمين ، أما المنبهاتي فكان لا يبرح مكانه قبل التأكد من أن زبونه النائم قد نهض من فراشه ، ليواصل بعدها برنامج عمله في إيقاظ الآخرين في الحي من زبائنه.

اعتمدت هذه المهنة التي مارسها عدد كبير من الأشخاص ، لاسيما في المدن والبلدات الصناعية الكبيرة آنذاك مثل مانشيستر ولندن في زمن الثورة الصناعية التي شهدتها تلك المنطقة ، اعتمدت إما على اتفاق شفهي بين المنبهاتي والزبون ، أو على دفع مبلغ نقدي مُقدم للمنبهاتي ، كما كانت تعتمد تلك المهنة أحياناً على قيام صاحب المنزل بتعليق ورقة على باب أو شباك بيته مكتوب عليها الساعة التي يُفضّل أن يستيقظ فيها.

مهنة المنبهاتي كان يزاولها في الأغلب رجال ونساء متقدمين في السن ، لكن رجال الشرطة من الراغبين في الحصول على دخل مالي إضافي دخلوا على الخط ومارسوا مهنة المنبهاتي ، وذلك خلال دورياتهم الأمنية الصباحية. ونظراً لأهمية اليد العاملة بالنسبة إلى العديد من إدارات المصانع والمعامل الكبيرة ، فقد كان يتم توظيف عدد من المنبهاتيين من قبل تلك الإدارات للتأكد من وصول موظفيهم إلى أعمالهم دون تأخير.

استمرت مهنة المنبهاتي حتى أواخر العشرينيات من القرن الماضي ، وحتى الخمسينيات في عدة مناطق أخرى من بريطانيا وأيرلندا إلى أن انقرضت نهائياً بفضل التقدم التكنولوجي الذي ساهم فيه … زبائن المنبهاتي !

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com