عين الصباح ، الجاسوسة العارية

في تاريخ العصر الحديث ، لم تمتلك امرأة سحرًا أنثويًا له مثل هذا التأثير كـ”مارغريتا زيل”، المعروفة باسمها المستعار “ماتا هاري”، فخلال الحرب العالمية الأولى ، تمكنت أن تعبر بمكر إلى الجهات المحاربة ، لتصبح واحدة من أشهر الجواسيس المزدوجين شهرة في التاريخ.

ولدت في هولندا في عام 1876 ، وأصبحت راقصة ومحظية للسياسين المهمين. قضت معظم وقتها في باريس التي أُدينت فيها لكونها جاسوسًا للإمبراطورية الألمانية ، وآل مصيرها إلى الإعدام ، على يد فرقة إطلاق النار الفرنسية في عام 1917.

لم تعش طفولة سعيدة في هولندا،حيث توفيت والدتها وهي شابة، وسقط والدها في ضائقة مالية مدمرة. تزوجت في الـ18 من القبطان الثري “رودولف ماكلويد” في الجيش الاستعماري الهولندي عام 1895. وعاشا في جزيرة جاوة التي كانت مستعمرة هولنديّة في ذلك الوقت  وهناك أنجبت طفلتين ، “نورمان” و”لويز”.

لم يكن زواجا سعيدا، وخلال هذا الوقت درست الرقص والعادات الإندونيسية وخرجت باسمها الشهير “ماتا هاري” ، والذي يعني “عين الصباح”. وفي عام 1899 أصيبت طفلتيها بمرض خطير وتوفيت إحداهما ، لينفصل الزوجان بعد ذلك ، وتحصل “ماتا” على حضانة ابنتها رسمياً ، لكن فعلياً ، رفض القبطان ذلك حيث لم يكن للمرأة في ذلك الوقت سوى عدد قليل جدا من الحقوق فيما يتعلق بأطفالها ، فلم تتمكن من استعادة ابنتها التي توفيت في سن صغير ، وكان رحيلها فاجعة لـ”ماتا”، فانتقلت إلى باريس وبدأت حياتها المسرحية. في غضون عامين ، نالت “ماتا هاري” لقب الراقصة الأسطورية ، ونُسجت القصص حول أصلها ، فقيل إنها أميرة هندوسية ، تؤدي الرقص الهندوسي المقدس منذ الطفولة.

تهافت المصورون لأخذ صورها الفوتوغرافية ، إما عارية تقريبا أو في زي يكشف أكثر مما يستر ، وكانت ترتدي في الغالب مجوهرات على الطراز الآسيوي ، وخاصة مجوهرات الشعر وحمالات الصدر المرصعة بالجواهر. أسلوبها الغريب في الرقص ، بات موضة شائعة وصيحة رائجة ، فقد كانت أول سيدة تؤدي “رقصات التعري” في العالم ، يمكن القول إنها رائدة هذا النوع من الرقص ، كما أن جمالها الفتان ، كان له تأثيراً عظيماً على المجتمع الفرنسي ، إذ حملت ملامحها الجمال الشرقي الفتان ، وساعدها ذلك في دخولها الدوائر الاجتماعية لرجال الطبقة الأرستقراطية.

وكان لها العديد من المعارف من الضباط العسكريين والسياسيين رفيعي المستوى ، ومع ذلك عندما بدأت الحرب العالمية الأولى تغير موقف الجمهور بسرعة ولم يعد ينظر إلى سلوكها ونمط حياتها على أنه شيء مرغوب أو مقبول ؛ وبسبب هذا الرفض العام ، وتقدمها في السن، اعتزلت عام 1915 وعادت إلى هولندا.

عام 1916 اقترب منها قنصل ألماني وعرض عليها المال لتكون جاسوسة ودون عمل ودون أي ولاء حقيقي لأي من الجانبين ، قبلت “ماتا” وأصبحت العميلة H21.

خلال فترة عودتها إلى باريس ، أُعجبت “ماتا هاري” بالكابتن “فاديم ماسلوف”، وهو طيار روسي يخدم في الجيش الفرنسي ، وبعد فترة أُصيب من قِبل القوات الألمانية ، لذلك حاولت “ماتا” الحصول على إذن من وكالة الاستخبارات العسكرية الأجنبية الفرنسية ، لزيارته خارج حدود العدو ، وكان الشرط الوحيد أن تصبح جاسوسة لهم ، وهكذا أصبحت عميلة مزدوجة.

بداية النهاية
أدت “ماتا” رقصة رائعة أمام ولي عهد ألمانيا ، واعتقد الضابط الفرنسي “جورج لادو” أن بإمكانه أن يكتسب أسرار العدو بهذه الطريقة ، لكنه لم يدرك أنه مجرد فتى لعوب مدلل ، لم يكن لديه معلومات استخباراتية عسكرية قيمة ، وفي الوقت نفسه ولسوء حظها ، لم تتمكن من جمع معلومات قيمة أيضًا من الجانب الفرنسي ، وعندما أدرك الجنرال “والتر نيكولاي”، كبير ضباط الاستخبارات في الجيش الألماني ، أنه ليس لديها أكثر من القيل والقال لتقدمه ، اتهمها بأنها جاسوسة فرنسية وأعادها إلى فرنسا.

عند عودتها في عام 1917 أُلقي القبض عليها بزعم أنها تحمل شيكًا ألمانيًا بمبلغ كبير ، فحوكمت بتهمة التجسس لصالح الألمان ، واتهامها بدم خمسين ألف جندي ، لم يكن هناك دليل ضدها ، إلا أن الجمهور الفرنسي كان غاضبًا بسبب الخسائر الفادحة في الحرب ، وما زاد الطين بلة أن عشيقها الكابتن ماسلوف هجرها ورفض الإدلاء بشهادته.

الرؤية التاريخية لشخصية ماتا
قال الكاتب الفرنسي “فريدريك غويلتو”:

“لم يكن لديها أي قناعات سياسية أو أيديولوجية ، وكان اقتناعها الوحيد هو العيش حياة جيدة ، لم يكن هناك دليل قاطع على عملها كجاسوسة، كان يمكن الاكتفاء بإيداعها في السجن ، لكن الإعدام عقاب مجحف”.

أما المؤرخة البريطانية “جولي ويلرايت” كتبت:

“كانت امرأة مستقلة، ومواطنة من بلد محايد، ومحظية ، وراقصة، ما جعلها كبش فداء مثالي للفرنسيين ، الذين كانوا يخسرون الحرب”.

مشهد الإعدام
أثناء اقتيادها للإعدام، أرسلت القبلات للجلادين ، ورفضت عصب عينينها ، ثم أطلقت فرقة إطلاق النار، الرصاص عليها في 15 أكتوبر عام 1917. بات لشخصيتها مكانة عالية شبه أسطورية ، وقدمتها العديد من الأفلام على أنها سيدة ماكرة غامضة ، وآخر الأعمال الأدبية عنها هي رواية الكاتب العالمي “باولو كويلو” “الجاسوسة” الصادرة عام 2016.

منتقاة من صفحة Classic على فايسبوك

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.