هل العالم الثالث أسوأ من الأول؟

لا شك في أن لا أحد يُفضّل أن توصف بلاده بأنها من دول “العالم الثالث” ، لكن الواقع هو أنه حتى يومنا هذا يتم تصنيف العديد من دول العالم على أنها من “العالم الثالث”. لكن هل سبق وتساءلت لمن يعود القرار في تسمية دولة بأسرها بأنها من دول العالم الأول أو الثاني أو الثالث ؟

قد يبدو من الوهلة الأولى أن اعتبار دولة ما على أنها من دول العالم الثالث كأنه إهانة ، أو كأنك تعيش في منطقة شعبية عشوائية لا تعرف معنى الحضارة أو النظام. وقد يُوحي لك مصطلح “العالم الثالث” أيضاً بأنك مواطن فقير ، أو أنك تسكن بلداً تضربه كارثة طبيعية من حين لآخر تتسبب في مسحه من على الخريطة دون أن يلاحظ بقية العالم ذلك تقريباً. فما هي الأسس التي ارتكز عليها مصطلح “العالم الثالث”؟

كما هو حال الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول العالم الثالث ، فإن الجدل الذي يحيط بمصطلح “العالم الثالث” يشوبه الكثير من الغموض ، فالأكاديميون وواضعو النظريات العامة على حد سواء نادراً ما يتفقون على أمور كثيرة ، ومصطلح “العالم الثالث” ليس استثناءاً. فهناك مقالات وكتب لا حصر لها ليست مُكرّسة للبحث عن التفاصيل التي تؤهل دولة ما لتكون من دول العالم الثالث فحسب ، بل أن تلك الكتب والمقالات تتفرع أيضاً لتشمل معنى ذلك المصطلح إلى جانب البحث في أصله.

يعود أصل مصطلح “العالم الثالث” كما تعزيه معظم المصادر إلى مقالة تم نشرها عام 1952 كتبها العالم الاقتصادي والديموغرافي الفرنسي ألفريد سوفي. تضمنت مقالته المصطلح الفرنسي Tier monde والذي قصد به التلميح إلى مصطلح آخر وهو “الطبقة الثالثة” في إشارة ضمنية إلى العامة من الشعب الذين بلغوا مناصب عليا في السلطة أثناء الثورة الفرنسية ، وذلك عبر استغلال صراع رجال الدين وطبقة النبلاء على السلطة من أجل المصلحة الخاصة لتلك الطبقة الثالثة. وعلى النسق نفسه ، يصف مصطلح “العالم الثالث” مجموعة من الدول التي كان لها وجوداً أيديولوجياً وسياسياً خارج إطار الصراع على النفوذ السيادي بين القوى الديمقراطية الغربية (العالم الأول) ودول الكتلة الشرقية السوفيتية (العالم الثاني). لذلك كان من السهل في ذلك الوقت تصنيف أي من الدول في واحدة من تلك العوالم الثلاث.

في الحقبة التي تلت الحرب الباردة ، أصبح مصطلح “العالم الثالث” أكثر تعقيداً ، حيث أصبح الاستخدام العام لمصطلحي العالم الأول والعالم الثالث أكثر ارتباطاً بالجوانب الاقتصادية والتنموية مقارنةً بالجوانب الأيديولوجية لتلك الدول ، في حين اختفى مصطلح “العالم الثاني” من القاموس السياسي ليبقى العالمان الأول والثالث فقط بعد تفكك الكتلة الشيوعية.  وعلى الرغم من أنه لا توجد هيئة “رسمية” تقرر أياً من الدول يتم تصنيفها على أنها من دول “العالم الثالث” ، إلا أن هناك العديد من المنظمات التي تتولى تلك المهمة ، منها على سبيل المثال ، قيام هيئة الأمم المتحدة سنوياً بنشر مؤشر التنمية البشرية ، وهو بمثابة مقياس يأخذ في الحسبان عوامل متعددة كمستوى التعليم ، والناتج المحلي الإجمالي ، ومتوسط العمر المتوقع. ونشير هنا إلى أن الدول التي تحتل مراتب متأخرة في هذه القائمة تتواجد في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

ويعتقد بعض واضعي النظريات العامة بأن نهاية الحرب الباردة كانت لها نتائج سلبية على دول “العالم الثالث” ، ففي حين لم تعد هناك حاجة إلى تصنيف دول عدم الانحياز إلى دول تقع إما في المعسكرين الشيوعي أو الرأسمالي ، فقد تراجع اهتمام دول العالم الأول بوضع دول العالم الثالث ، وهو إلى حد ما يشبه إهمال حكومة دولة ما في معالجة المناطق العشوائية الشعبية وتقديم الحلول المناسبة لها ، فيزداد تراجع دول العالم الثالث ويتم تجاهل حاجاتها ، بينما يكون أكثر ما يقلق المقيمين في دول العالم الأول هو أي تطبيق للأيفون أجدر بتحميله !

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com