انتبهوا أيها السادة

د. سعيد اسماعيل علي

في أحد أيام سبعينيات القرن الماضي ، تلقيت تليفوناً من الصديق الراحل الدكتور فؤاد أبو حطب ، يقترح فيه أن نذهب سوياً ، كل بعائلته ، لمشاهدة فيلم عنوانه (انتبهوا أيها السادة) فى إحدى دور العرض فى مصر الجديدة ، وتم هذا بالفعل …

كانت صيحة تحذير من كل من المؤلف والمخرج ، وكل من عملوا بالفيلم ، لخطر داهم ، كان قد بدأ يبث سمومه الاجتماعية والفكرية في عروق الوطن.   بطله جامع “زبالة” – مع الاعتذار إليهم – أخذت ثروته تتراكم شيئاً فشيئاً – مثلما كان الأمر بالنسبة للبيه البواب ، أحمد زكي – حتى صار يتحكم في شؤون مثقفين وعلماء. مثّل دور الزبال ، محمود ياسين ، أما ممثل الأساتذة والمثقفين والعلماء ، فكان أبرزهم حسين فهمي.

وعندما استضفت فناننا الكبير محمود ياسين ، في صالوننا الثقافي منذ سنوات ، وجاء ذكر الفيلم ، قال أنه اختار أن يقوم بدور الزبال ، رغم أن الجمهور كان قد تعود عليه باعتباره الممثل الوجيه الأنيق ، الذي وقفت أمامه جميلات وفاتنات السينما ، لأن المغزى شده.

وبعد سنوات ، قدم لنا العبقري الرائع أسامة عكاشه مسلسله غير العادي (الراية البيضاء) ، ليقدم لنا أيضاً المبدعة سناء جميل ، تاجرة السمك ، الجاهلة ، لكن الثرية ، وكيف صممت على أن تستولي على فيلا أبو الغار (جميل راتب) ، التحفة المعمارية ، ذات الأصول الثقافية التاريخية ، والفن العريق.   إنها القضية نفسها التي تبكينا الآن ، لأننا لم ننتبه … ورفعنا الراية البيضاء أمام زحف مدنس.  

الثروة المادية ليست عيباً ولا حراماً ولا خيانة ، بشرط أن تجيء عرقاً وسهراً وكفاحاً ونضالاً …أما أن تأتي –  وهو ما بدأ يحدث ويتواصل منذ السبعينيات – باتصالات مع السلطة ، لنهب الأراضي ، وتجارة العملة سابقاً ، وبالنصب أحياناً ، وبالفساد ، والسرقة ، وغير هذا وذاك من وسائل الثراء الحرام ، فمن شأن ذلك أن يقفز بشريحة اجتماعية ، متدنية التفكير والأخلاق ، تكاثرت مع الأيام ، فاسدة الذوق ، مسطحة العقل ، إن عرفت تديناً ، فهو التدين الشكلي ، وإن رفعت رايات وطنية فهي وطنية كاذبة.  

ورافق كل هذا تدنياً في الذوق العام … مسلسلات هابطة … غناء ، ارحم منه نباح الكلاب ، فهي تحمينا .. ونعيق الضفاضع. وكان طبيعياً أن تشهد سوق الكتب كساداً مخيفاً ، لا ينبغي الدفاع عنه بوجود وسائل الاتصال الاجتماعي ، فهناك الدول المتقدمة ، لم تتراجع فيها الصحافة ، والناس مستمرون في قراءة الكتب ، وسماع السمفونيات ، والموسيقى الكلاسيك.  

إنني من جيل على وشك المغادرة ، فلن يضيره كثيراً ما أصبحنا فيه من تراجع مخيف ، وصل بنا إلى المستنقع ، لكنا كنا نود أن نغادر ونحن مطمئنين على أولادنا وأحفادنا … والأهم ، على وطننا الغالي. ولا بأس من أن نعاود الصيحة: انتبهوا أيها السادة…

بقلم دكتور سعيد اسماعيل علي

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.