الأبوة أخلاق

بقلم | الفنانة لمياء لبان جمول

ربّما تكون شخصية أبو العبد الفولكلورية الأكثر شعبية في لبنان ؛ فقد اخترته للاحتفال بعيد الأب ولتسليط الضوء على من إستطاع أن يوصل رسائل وحِكم ، بالاضافة الى رسم الابتسامة في معظم الأحيان. بقدر ما برع في تقديم ثقافة مشرّفة ، بالمقابل برع آخرون في تشويهها واستغلالها. فالنكات التي أُلصقت به كثيرة ولكنها ليست كافية ، أو بمعنى أدق ليست عادلة للتعريف بأبو العبد الذي عاش الزمن الجميل وغير الجميل. إن الهدف الرئيسي من الشخصيات الفولكلورية عبر التاريخ هو نقل درس أخلاقي ، وتقديم معلوماتٍ مفيدةً ودروساً في الحياة اليومية ، وإن كانت في إطار فكاهي ، ولكنها دائماً تُعرض بطريقة مبسّطة يفهمها عامّة الناس.

بدايات الشخصية كانت مقتصرة على الحكواتي الذي يسرد قصص أهل بيروت بأسلوب شيّق. ومن ثمّ ومع بدايات الستينيات من القرن العشرين ، بدأت الشخصية بالتطوّر ، فظهر أبو العبد من بطولة الفنان الراحل خليل شحادة على خشبة مسرح “الفاروق” في وسط البلد ، الذي كان يرتاده “البيارتة” ومعهم نرجيلتهم ‏وطعامهم. ‏

ومع بداية التلفزيون استلم شعلة هذه الشخصية وبأمانة ، الفنان الرّاحل أحمد خليفة ، ابن طريق الجديدة. لدرجة أنّه حافظ على صورة البيروتي “العطيق” الشهم ، الجدع ، و”الأبضاي” في كلّ أدواره. ظهر دائماً بقمبازه ، وطربوشه الأحمر ، وخيزرانته ووردة القرنفل ، بالاضافة إلى شاربين مقوسين صعوداً. لمع خليفة في مسلسلات تلفزيونية عِدّة ، منها: “المعلمة والأستاذ” مع الممثل الرّاحل إبراهيم مرعشلي و”الضحيّة”، “أبو عبد البيروتي” ، “الحكواتي” ، “فوت خال باب بلا غال” بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة. كذلك ظهر بدوره كثائرٍ مع الأخوين رحباني في فيلم “سفر برلك”.

كرّس خليفة الشخصية لتكون صوتاً ومرآةً للرأي العام اللبناني ، وصندوق بريد مليىء بالرسائل السياسية والاجتماعية المتخمة بالقصص والمشاكل. لقد اخترتُ في هذه اللوحة لأبو العبد ، مَعْلَماً من معالم بيروت المنقرضة ، رغم أنّها محفورة في الذاكرة الجماعيّة لأهل المدينة ، ألا وهو مقهى ومطعم دبيبو ، الغني عن التعريف بموقعه الخلاّب والمطل على صخور بيجون الرّائعة في حيّ الروشة.

إلى جانب التمثيل عمل أحمد خليفة نقيباً في مديرية إطفاء بيروت ، واشتُهر بتفانيه في عمله حتى أنه في عام 1982 أثناء اجتياح العدو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية ، قام وحده بإطفاء أحد البيوت المحترقة.

يقول أحمد خليفة في احدى مقابلاته:

“كل شخص كان ببيروت وقديم ، هو شخصية أبو العبد. هالشخصية ، حلّال مشاكل ؛ بيشوف عائلة مستورة بيعطف عليها وبيعطيها. بيشوف واحد مريض بيسعفوا … شخصية ابو العبد بأخلاقو”. “هيك بكون بيّ الكل ، انجق بينام بالليل من كتر المسؤوليات.” شو فهمنا؟

معايدة لكلّ الآباء الشرفاء الذين يؤمنون بدورهم كمربين. إنها الفسحة لمن يشاء المعايدة والمفاخرة بآبائهم ، أو حتى استرجاع ذكرى أو صورة من مطعم دبيبو ، أو لشخصية فولكلورية نبيلة من أيّ بلد في العالم.

الفنانة التشكيلية والأديبة السيدة لمياء لبان جمول

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.