معركة أطفالنا في المهجر

من المعلوم أن دواعي الهجرة من الدول العربية إلى أمريكا وأوروبا كثيرة وقد تختلف في جوهر أسبابها ما بين الاقتصادي والسياسي ، لكن أسباب الهجرة ليست محور مقالتنا اليوم. إنما المحور هو أبناء الجيل الأول ممن رافقوا أهلهم إلى وطنهم الجديد ، أو الجيل الثاني الذي وُلد لمهاجرين أو مغتربين في وطنهم الجديد أو في غربتهم.

كانت الهجرة في الماضي عادة ما تبدأ بهجرة الرجل أو رب الأسرة بمفرده بحثاً عن قوته ورزقه في الخارج ، وربما استمر لعدة سنوات على هذه الحال ، حتى وجد نفسه في النهاية مضطراً لاستقدام أسرته نظراً لظروف الحياة المتعبة دون أسرته لمدة طويلة ، سواء بالنسبة للأسرة الموجودة في البلد المُهاجر منه ، أو بالنسبة للمهاجر الذي يعاني من الوحدة والانفراد. وأمام هذا الوضع الجديد كان الحل الأمثل هو في لم شمل الأسرة باستقدم زوجه وأطفاله إلى دولة الاغتراب أو إلى وطنه الجديد … ومن هنا بدأت مشكلة أطفالنا الذين وجدوا أنفسهم في المهجر أو وُلدوا فيه.

غير أن لم الشمل هذا لم يكن خالياً من المشاكل. ففي حين أنه كان حلاً لمشكلة واحدة إلا أن مشكلة أخرى بدأت تلوح في الأفق عندما أصبح الأهل في المهجر يفكرون في مستقبل أولادهم وفي دراستهم وأسلوب معيشتهم وطريقة تربيتهم ، في مجتمع يختلف عن مجتمعهم الأصلي لغةً وديناً وعادات وأعرافاً.

وهنا كان لزاماً على المهاجر /المغترب أن يحافظ على تعليم أولاده لغته الأم ودين أجداده وتربيتهم وتعليمهم. ولأننا بالتربية والتعليم نربط أطفالنا في المهجر بلغتهم وتاريخهم ودينهم ووطنهم … فنحن على يقين أن أطفالنا إذا لم يتعلموا لغة قومهم ولم يتربوا على التشبع بمقومات أمتهم سيصبحون غرباء بكل ما في الكلمة من معنى إن هم عادوا إلى وطنهم الأصلي ذات يوم.

ولأن الانتساب إلى الوطن لا يكفي فيه ورقة إثبات الجنسية ، أو حمل جواز سفر ، فذلك مجرد شكليات لا أقل ولا أكثر ، فإن الانتساب الحقيقي للوطن لابد من أن يكون من خلال تربية سليمة مبنية على مبادئ متينة واضحة ، وهذه التربية ينبغي أن يُخطط لها وأن تكون محط عناية ورعاية ، وإلا فسنجد أنفسنا أمام أطفال غرباء عنا ، وخاصة عندما يعودون إلى وطنهم.

ترتكز هذه التربية أولا وقبل أي شيء على ترسيخ لغة الوطن ، لأن أطفالنا إذا ما جهلوا لغة وطنهم سيكون صعباً عليهم الانسجام مع إخوانهم في الوطن الأصلي ، بل وسيجدون صعوبة أيضاً في الانسجام مع أقاربهم وذويهم وأسرهم … ومن الجدير بالذكر أن لغتنا لا تنفصل عن ديننا ومقدساتنا فبتعليم لغة الوطن لأطفالنا في المهجر فإننا نربط بينهم وبين وطنهم رباطاً متيناً ، لأنهم من خلال تعلّم لغتهم سيتمكنون من التعرف على دينهم وحضارتهم وأمجاد أجدادهم.

إن الأجواء التي يتعرض لها أطفالنا في المهجر تستدعي وجود المربي الصالح الواعي والمدرك للأمور أولا وقبل كل شيء. وهنا يجب على الذين يختارون المربين للقيام بمهمة التربية والتعليم في الخارج أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة لأن القصد من التربية وخاصة في مثل تلك الأجواء والمواجهات ليس مجرد ملء فراغ.

إن تربية أطفالنا على القيم الأخلاقية وتعريفهم بالمقومات الدينية والوطنية هو الهدف من تربيتنا بالداخل ، إلا أنه يصبح واجباً أكيداً في بيئة تختلف تمام الاختلاف عن بيئتنا وفي مجتمع مغاير لمجتمعنا.

تواصل على الفيسبوك مع  معهد نوران لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم – كيبك / كندا

وعليه فإن اختيار المدرسة التي يتعلّم فيها أطفالنا لغتهم العربية في الخارج ينبغي أن يكون مبنياً على أساس سليم تلتزم فيه المدرسة أو المربي بالمعايير والأصول التي نشأنا عليها في أوطاننا الأم. فالتربية الصحيحة المبنية على العقيدة السليمة والانتماء الوطني الحقيقي تعتبران من الأمور الحيوية بالغة الأهمية التي من شأنها أن تساعد أطفالنا في حياتهم بدول الاغتراب والمهجر ، وتُعد شرطاً أساسياً عند أولياء الأمور لاندماج أبنائهم في مجتمعهم ووطنهم الذي يتطلعون إليه ويحافظون على مقدراته بكل إجلال واحترام.

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.