بنت الزبال

هكذا كان اسمي في المدرسة وفي شارع بيتنا وفي كل مكان آخر كانوا يعرفوننا فيه. نسوا اسمي الحقيقي وأصبحوا يطلقون عليّ لقب “بنت الزبال”!

‏أبي كان عاملاً في البلدية وبيتنا كان بيتاً بسيطاً. لكننا لم نكن نأكل من الزبالة مثلما كانوا يعتقدون. لقد كنا عائلة مثل أي عائلة أخرى نطهو الطعام ونسهر ليلاً ونضحك معاً. كنا ثلاثة صبية وبنتين وكنتُ أنا أكبرهم.

‏لم ينتبه أحد لتفوقي واجتهادي في المدرسة لأني كنت “بنت الزبال” … في الفصل كان قلة من زملائي يكلمني ، أما الأغلبية فكانوا يخجلون من الجلوس معي ، أو يشعرون بالاشمئزاز مني معتقدين أننا لا نستحم وأن لي رائحة كريهة كرائحة “الزبالة”!

ذات مرة سألتني معلّمتي: ما هو حلمك عندما تكبرين ؟ أعطت طالبة من صفي الحق لنفسها وأجابت عني تقول “حلمها لم الزبالة”. أضحكت الفصل كله وضحكوا عليّ ، أما أنا فقد بكيت بحرقة من كلماتها الجارحة وضحكاتهم المهينة. لكن معلمتي ضمتني لصدرها وهمست في أذني تقول لا تحزني ولا تخجلي من عمل والدك … والدي كان يعمل حارس عمارة ، يمسح السلالم بالماء ، ويلم الثياب القديمة لنلبسها ونفرح بها أيضاً. كوني قوية بنيتي!

‏نعم، من الآن فصاعداً سأكون قوية ؛ هكذا قررت أن أكون. لن أضعف ولن أدع أحداً يضحك عليّ مستهزئاً. ‏قُلت لأخوتي وأخواتي أن عليهم أن يكونوا أقوى مني. علّمتهم أن لا نضعف ولا نسمح للزمن أن يكسرنا. ‏ثم مرّت سنين طويلة ونجحت بدراستي الثانوية وتفوقت ثم التحقت بكلية الطب. تغيّر كل شيء وأصبح الجميع يناديني جاءت الدكتورة وذهبت الدكتورة. شعرت بأنني أطير ، فرحت بنفسي وشعرت وكأنني كسرت كل شيء كان سبباً في قهري. كل من كان يضحك عليّ ، إحتاجني والله سبحانه وتعالى يعلم أنني لم أقصّر في حق أحد منهم.

‏كبرت وكبر أخوتي … تغيّرَت الأحوال ولم يعد أبي بحاجة إلى العمل وغيّرنا بيتنا وانتقلنا لسكن أكبر. كنا يداً واحدة. اثنان من أخوتي أصبحا مهندسين والثالث يدرس طب الأسنان وأختي تدرس في كلية الصيدلة … تزوّجْت وأصبحتُ أماً لطفلين ، وإخوتي منهم من خطب ومن تزوج .. وفقنا الله سبحانه رغم قسوة الظروف التي مررنا بها في مقتبل حياتنا ، ومع ذلك لا يمكن أن ننسى أنه في يوم من الأيام كانوا ينادوننا بـ “اولاد الزبال”!

كانت هذه الكلمة تذبح والدي أكثر منا ، لكننا لم ننس فضله علينا ، ولم نشعر بخجل من عمله لأنه ربّانا على اللقمة الحلال وعلى المحبة والوئام. علمنا أن نحترم الآخرين ، وأن لا نفرّق بين غفير ووزير.

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.