نظام التفاهة

للمرة الأولى وللأهمية نرشح لكم أعزاءنا الكرام هذا الكتاب الإلكتروني الذي يحمل بالفرنسية عنوان La Médiocratie ، ويتفق في العديد من جوانبه مع وجهة نظرنا حول مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ومخاطرها ، وهو ما أدركناه منذ بداية عملنا فيها ، الأمر الذي دفعنا إلى جعل موقعنا الإلكتروني وصفحاتنا على هذه المنصات نموذجاً ينأى بالقارئ بعيداً عن سلبياتها. الكتاب والذي يحمل بالعربية عنوان نظام التفاهة هو للكاتب الكندي آلان دونو Alain Deneault أستاذ مادة الفلسفة في جامعة كيبيك ، وناشط أكاديمي معروف بتصديه للرأسمالية.

يستطيع المتابع أن يتذكر كيف انتشرت في السنوات الأخيرة حول العالم لوحات تعبيرية كُتب عليها: “توقف عن جعل الأغبياء مشهورين” وذلك في مواجهة موجات عاتية تركز على الدفع بالتافهين والتفاهات الى واجهة العمل الاجتماعي والاعلامي ، إما من أجل غايات تجارية ربحية ، وربما لغايات أخرى لا نستطيع تحديدها الآن ، لكنها تبقى بكل الأحوال جريمة بحق الاجيال الناشئة والمراهقين الآن ومستقبلاً.

المؤلف الكندي آلان دونو

فلو قمنا بجولة على حسابات “نجوم” مواقع التواصل الاجتماعي لوجدنا قاسماً مشتركاً واحداً يجمع بينها ، ألا وهو الاعتماد على صناعة التفاهة من قفز إلى رقص إلى الصراخ وإصدار أصوات غريبة ، أو التكلم بكلام لا معنى له ، وعمل مقالب مؤذية في الناس الآمنين ، وأن تقليد مثل هذا “الاستهبال” من شأنه أن يصعد بصاحبه أو صاحبته إلى عالم الشهرة والمال بعد أن يتجاوز عدد المتابعين المليون ، فتنهال عليهم العروض التجارية ، واستضافهم في وسائل الاعلام والمهرجانات … وهلم جراً ، لدرجة أن عدداً من وسائل الإعلام التقليدية باتت تفرد جزءاً من مساحاتها الإعلامية لتناول مواضيع يثيرها مثل بعض هؤلاء “النجوم” رغبة منها هي الأخرى في توسيع قاعدتها الشعبية ، أو ربما التأقلم مع والواقع الإعلامي الجديد. ولكن يا تُرى ماذا ستكون النتائج المتوقعة من نشر ثقافة الاستهبال هذه؟

إن إنحدار مستوى القيم والأخلاق ، وتسطّح العلم والثقافة هو أول ضحايا هذا التيار الاستهبالي. فالأبحاث أثبتت أن من نتائج هذا التيار هو انحصار مستوى التركيز الذهني وتراجع الوعي والإدراك ، ناهيك عن إضاعة الوقت وتحويل الدماغ إلى كتلة كسولة عاجزة عن التفكير السليم ، وربما ما هو أخطر من ذلك أن يتسبب هذا التيار في ضياع قسم كبير من أبناء وبنات الجيل القادم.

هذه الآفة الاجتماعية الجديدة نحن مسؤولون عنها جميعاً كأفراد ومؤسسات ومجتمعات. وننوه هنا إلى أن إتخاذ السلطات المعنية في عدد من الدول العربية تدابير قضائية ضد هؤلاء “النجوم” ومعاقبتهم على محتويات معيّنة يقدمونها إلى جمهورهم العريض، ليس سوى خطوة في الاتجاه الصحيح لوضع حد لاستشراء مثل هذا “الاستهبال”. إن إحدى الحلول البسيطة التي يمكن اتخاذها الآن في عملية المواجهة تكون بالامتناع عن جعل الأغبياء “نجوماً” وذلك بعدم نشر نتاجهم المتخلّف وتجاهلهم تماماً. فنقل منشور تافة ومشاركته بدافع التوعية منه يكون خطأ في حد ذاته ، لأن الناشر في هذه الحالة ، حتى لو كانت نيته طيبه ، يكون قد وقع في فخ الخوارزميات التي تعتمدها وسائل التواصل ، والتي صُممت على توسيع عملية النشر بناءً على نسبة المشاهدة والتعليق والتفاعل مع المنشور.

إن نظام التفاهة للكاتب الكندي آلان دونو ينبغي أن يكون مرجعاً تقليدياً نسلّح به أنفسنا وأولادنا أمام هذا المد الاستهبالي المتفاقم إلكترونياً … والذي لا نرى له نهاية حاسمة في المستقبل القريب.

لقراءة الكتاب
https://kolalkotob.com/read/2388
لتحميل الكتاب
https://kolalkotob.com/book2388.html

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com