إياك وأن تجادل حماراً

حكاية من وحي الخيال ذات عبرة !

قال الحمار للنمر ذات يوم: إن عشب الغابة يا صديقي النمر لونه أزرق.

أجاب النمر: كلا يا صديقي الحمار ، بل لونه أخضر كما عهدناه كل يوم.

احتدم الجدال بين الاثنين حول لون العشب إلى أن اتفقا على الذهاب إلى الأسد ملك الغابة ليفصل بينهما في مسألة لون العشب.

قبل أن يصل الحمار إلى باحة مفتوحة يسكنها ملك الغابة ، صرخ بأعلى صوته من بعيد يقول: مولاي ، أليس صحيحاً أن العشب أزرق اللون؟

أجاب الأسد: بلى صحيح ، العشب لونه أزرق.

فقاطعه الحمار على الفور يقول: لكن النمر هذا يخالفني الرأي ويناقضني ويزعجني بجداله الفارغ ، فأرجو أن تعاقبه على ذلك.

أذعن ملك الغابة وعاقب النمر بأن يلتزم الصمت خمس سنين.

قفز الحمار فرحاً بالعقوبة التي نزلت بالنمر ، ثم ذهب في حال سبيله سعيداً مسروراً يردد العشب لونه اليوم أزرق.

وافق النمر على عقوبة ملك الغابة ولكن قبل أن يسأله: مولاي ، لمَ عاقبتني وأنت تعلم أن العشب لونه أخضر؟

أجاب الأسد: نعم لونه أخضر.

إحتار النمر فسأل ملك الغابة: لماذا عاقبتني إذاً ؟

قال الأسد:
ليس للعقاب علاقة بلون العشب إن كان أخضر أو أزرق. بل لأنه لا يجوز لمخلوق شجاع وذكي مثلك أن يهدر وقته في مجادلة حمار ، وفوق ذلك أن تزعجني بقبول الحكم بينكما في خلاف كهذا.

العبرة من الحكاية تكمن في أن أسوأ إضاعة للوقت تتمثل في مجادلة أحمق أو متعصب أو متعجرف لا تهمه الحقيقة ، وغير مبالٍ بالواقع ، إنما جل اهتمامه ينصّب على نصر معتقداته ونشر أوهامه. فالأجدر أن لا نضيّع الوقت في جدال عقيم لا فائدة منه … لأن هناك أناس مهما قُدمت لهم أدلة وبراهين ، لا يمتلكون القدرة على الفهم أو الاستيعاب ، وهناك أناس قد أعماهم الغرور وملأهم الحقد وشلّتهم الكراهية ، جل اهتمامهم أن يكونوا فقط على حق رغم أنهم أهل الباطل.

فلنتذكر دوماً أنه حين يعلو صوت الجهلاء بيننا يلتزم الصمت الأذكياء ، لأن راحة البال والسكينة أهم بكثير من مجادلة … أشباه الحمير !

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com