تاريخ إسبانيا في القرن الـ 20

هزت إسبانيا العديد من الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية في القرن التاسع عشر نتيجة لعدم وجود آلية تضمن الانتقال إلى الحكم الديمقراطي بطريقة سليمة بين القطبين المتنافسين على السلطة وهما الليبراليون والمحافظون. إلا أن هذين الحزبين المتنافسين تمكنا عام 1876 من التوصل إلى اتفاق على مشاركة السلطة بشكل دوري حقناً للدماء. فجرت الانتخابات العامة في إسبانيا غير أن نتائجها عادة ما كان يتم التلاعب بها لضمان صعود الأغلبية اللازمة إلى البرلمان دعماً لبرنامج الحزب الذي سيأتي دوره في الحكم. 
 
هجرة الإسبان أثناء الحرب الأهلية
 
تمثلت مشكلة هذا النظام في إبعاد الأحزاب الأخرى عن المشاركة في الحياة السياسية، ولاسيما الأحزاب المؤيدة للعمال وأنصار الحكم الذاتي لأقاليم مثل الكاتلان والباسك. فلم يكن لدى تلك الأحزاب وسائل تذكر لإدخال أية تغييرات ممكنة على الحياة السياسية بالبلاد. وقد نتج عن استئثار الحزبين بالسلطة إلى جانب خسارة إسبانيا لآخر مستعمراتها في كوبا وبورتوريكو والفيليبين خلال حربها مع الولايات المتحدة عام 1898 ، نتج عنه حالة متزايدة من عدم الاستقرار الاجتماعي تسببت في زعزعة استقرار البلاد بين عامي 1917 و 1921.
 
في عام 1923 تمكن الجنرال بريمو دي ريفيرا من الاستيلاء على السلطة بموافقة ملك إسبانيا آنذاك وفرض حكم ديكتاتوري عسكري على كافة أرجاء إسبانيا. إلا أن الانتقادات المتزايدة ضده لاسيما عند محاولته إطالة أمد نظامه الديكتاتوري بعد عام 1925 قد أرغمته على الاستقالة من منصبه في نهاية عام 1929.  وقد وُجه اللوم آنذاك إلى ملك إسبانيا على تردي الوضع السياسي في البلاد نتيجة دعمه العلني لحكم الجنرال دي ريفيرا. في ذلك الوقت بدأت أفكار الحزب الجمهوري تسود وتنتشر بين عامة الشعب ،فأقيمت الانتخابات المحلية في القرى والمدن الإسبانية. إلا أن المعارضة استطاعت أن تحوّل تلك الانتخابات إلى استفتاء شعبي حول مسألتين هما إما إعلان الجمهورية أو الإبقاء على النظام الملكي. لكن الحزب الجمهوري خرج من هذه الانتخابات فائزاً بغالبية بسيطة لتولد بعدها الجمهورية الإسبانية في الرابع عشر من إبريل/نيسان عام 1931.


نظرة عامة (1931 – 2000 )
أراد الساسة الذين ساهموا في ولادة الجمهورية الإسبانية الثانية إقامة دولة ديمقراطية حديثة. إلا أن رغبتهم تلك جوبهت بمعارضة من الداخل والخارج. فالانتشار السريع الذي استطاعت الحركة الفاشية والشيوعية أن تبلغه في أوروبا عرّض عملية التطوير السلمية في إسبانيا إلى الخطر. وقد أدت التوترات الاجتماعية والسياسية بالبلاد في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب أهلية عام 1936. جدير بالذكر أن الحكم الديكتاتوري في إسبانيا ، إلى جانب البرتغال،  كان آخر ديكتاتورية فاشية تظل على قيد الحياة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، إلا أنها بلغت نهايتها بوفاة فرانكو عام 1975. وقد استطاعت تلك الديكتاتورية أن تظل على قيد الحياة بدون أي خطر يهدد بقاءها من خلال تتبنى منهجيات سياسية مختلفة. لكن على الرغم من رغبة فرانكو  في إطالة أمد الحكم الديكتاتوري في إسبانيا ، إلا أن ذلك النظام الديكتاتوري تفكك كلياً إثر وفاته ، بعدما اتفق كل من ملك إسبانيا الجديد خوان كارلوس ورئيس وزرائه أدولفو سواريز على إقامة نظام ديمقراطي حقيقي.
 
الجمهورية الإسبانية (1931 – 1939)
بعد يومين من إجراء الانتخابات المحلية في الثاني عشر من إبريل/نيسان 1931 والتي اعتبرها الشعب الإسباني استفتاءً على بقاء الحكم الملكي، غادر ملك إسبانيا البلاد ،ليصل الجمهوريون من بعده إلى سدة الحكم من خلال ائتلاف حكومي جمع الجمهوريين والاشتراكيين والقوميين الكاتلان. يُذكر أن مانويل أزانيا رئيس وزراء الحكومة الجديدة كان الداعي الأكبر إلى تشكيل هذا الائتلاف. تمثلت أول مهام البرلمان الجديد في وضع مسودة لدستور جديد يضمن صون الحقوق الديمقراطية التي جرت الموافقة عليها في استفتاء شعبي عام أقيم في العام نفسه.
 
ركزت الحكومة الجديدة جهودها على مجالات خمس مختلفة مثيرة للجدل في محاولة منها لإقامة حكومة ديمقراطية اشتراكية حديثة. (وما يثير الاهتمام هنا أن حكومة اليسار كانت تعارض منح النساء حق التصويت في الانتخابات معتبرة أن الإسبانيات أكثر تحفظاً وأن تحفظهن هذا ستستفيد منه الأحزاب اليمينية بالدرجة الأولى)
 
أولاً: العلاقة بين الدولة والجيش.
حاول أزانيا ديموقرطة الجيش من خلال تغيير أركان القيادة فيه وإحالة جنرالات الجيش الإسباني غير الموالين للجمهورية إلى التقاعد. لكن عملية تطهير القيادة العليا للجيش أدت إلى نمو مشاعر محافظة ومعادية للجمهورية بين صفوف كبار الضباط. ففي عام 1932 قام الجنرال سانخويرو بالتخطيط لانقلاب عسكري على الجمهورية باء بالفشل في النهاية. وقد صدر عفو عن الجنرال نفسه وتم نفيه إلى البرتغال، إلا أنه في عام 1936 كان الجنرال سانخويرو بين عدد من جنرالات آخرين خططوا لانقلاب جديد ضد الجمهورية أدى في خاتمة الأمر إلى اندلاع حرب أهلية جديدة.
 
ثانياً: دور الكنيسة الكاثوليكية في الدولة الجمهورية.
قدمت الجمهورية قوانين وإجراءات خاصة بالزواج المدني والطلاق بحيث لم تعد الكنيسة الكاثوليكية تحظى بالدعم المادي والمعنوي من الدولة كما في السابق، ما أدى إلى عزلها عن الدولة.
 
ثالثاً: دعم التعليم العام لمواجهة الاحتكار شبه العام له من قِبل الكنيسة الكاثوليكية.
أرادت الحكومة من خلال تقديم نظام لدعم التعليم العام استئصال الأعداد المرتفعة للأميين (والتي بلغت 50% في بعض المناطق) وتربية الشعب على المبادئ الديمقراطية.
 
رابعاً: الحركات القومية في كاتالونيا وإقليم الباسك.
سمح دستور عام 1931 بوقف المركزية في البلاد وللأقليات التاريخية من سكان إقليمي كاتلان والباسك بإقامة حكم ذاتي إقليمي. وقد تمت الموافقة على “دستور ساو” عام 1932 بعد مناظرة مثيرة للجدل. بينما تمت الموافقة على إقامة حكم ذاتي في غاليشيا والباسك عام 1936. 
 
بقلم: حسام مدقه

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.