إله مصر الأبيض

أثار فيلم Gods of Egypt (آلهة مصر) ضجة كبيرة بسبب اختياره ممثلين بملامح أوروبية لأداء أدوار آلهة مصر وفراعنتها ، ولعل هذا كان أحد أسباب فشله في شباك التذاكر ، ويبدو أنه كان محكوما عليه منذ البداية بالفشل لتجاوزه خطوط حمراء كثيرة وبشكل غير مبرر.

نبدأ من قصته المستهلكة ، حيث يبدأ الفيلم باغتيال الإله “ست” لأخيه “أوزوريس” ليغتصب منه حكم مصر، وينحي الإله “حورس” ، الوريث الشرعي، بعد معركة وجيزة ينتزع فيها “سيت” عيني “حورس” وينفيه خارج البلاد . لكن لصًا بشريًا يعرض على “حورس” فرصة لاستعادة عرشه لينطلق الاثنان بعدها في سلسلة من المغامرات والمصاعب لمواجهة “سيت” وجيشه.

يسعى الفيلم جاهدا للترفيه ، وهناك بعض المشاهد الممتعة – والقليلة- في الفيلم، إلا أن ضعف القصة والابتعاد عن المصدر الأصلي لها والتمثيل الرديء لم يشفع للفيلم. فكان الملل نصيب المشاهد منذ البداية رغم توالي المعارك غير الشيقة ، والإفراط في استخدام المؤثرات الخاصة التي بدت أشبه بألعاب الفيديو. ولم يفلح سخط المخرج آلكس بروياس على النقاد واتهامهم بالجهل في تلطيف وقع الكارثة، فميزانية 140 مليون دولار للفيلم لم تحقق سوى 31 مليون دولار في شباك التذاكر.

Gods of Egyptلقد استند الفيلم إلى الأساطير الفرعونية القديمة – أحد أبرز عوامل الجذب لهذا النوع من الأفلام – لكنه حرّفها لدرجة صعب تمييزها عن الأساطير اليونانية أو افلام Lord of the Rings مما أفقد الفيلم ميزته كمحاولة لاستكشاف الحضارة المصرية العريقة التي لا يزال غموضها يجذب الملايين. وزاد في الطين بلة اختيار أبطال الفيلم من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الأشقر مثل جيرارد باتلر ونيكولاي كوستروالدو وغيرهما مما أفقد الفيلم مصداقيته الميثولوجية إن لم نقل التاريخية . وكان فعلا غريبا سماع جيرارد باتلر بلكنته السكوتلاندية أمام الاهرامات أو سماع أوزيريس بلكنة استرالية واضحة وبرداء ملك اغريقي مختلف تماما عن الصورة التاريخية للفراعنة و آلهتهم.

مسارعة شركة الإنتاج إلى الاعتذار عن سوء اختيار الممثلين لم تحل الأزمة أمام السخط المتنامي منذ فترة بين الفنانين السود وغيرهم من الإثنيات جراء استبعادهم من قبل صناع القرار في هوليود لترسيخ صورة البطل الأنجلوسكسوني في السينما الأميركية. مما يدفعنا إلى التوقف والتأمل مليا إن كان اختيار الفراعنة الشقر مصادفة أم نمط متكرر لدى هوليود ؟ وما هي أسبابه ؟

على غرار” آلهة مصر” أثار فيلم Exodus – Gods and Kings “الخروج- آلهة وملوك” للمخرج “ريدلي سكوت” سخط الكثيرين بسبب تحريفه الوقائع التاريخية و الدينية في فيلم من المفترض أنه يروي قصة النبي موسى، فجاء مخالفا لكل الروايات. وعاد الفيلم يكرر مزاعم قديمة بأن اليهود هم بناة الأهرامات ، وهي مزاعم لا دليل لصحتها على الإطلاق. كما كان اختيار المخرج لفرعون أشقر أزرق العينين أمرا مستهجنا ومخالفا للتاريخ .

هذا الخيار سبقه إليه المخرج “سيسل ب ديميل” في فيلم “الوصايا العشرة” The Ten Commandments (1956) عندما أعطى يول برينر، الروسي الأصل ، دور الفرعون رمسيس الثاني. بدوره قدم فيلم “المومياء” The Mummy (1999) نسخة مشوهة عن الحضارة الفرعونية ولعب دور الفرعون الممثل الأمريكي أهارون إيبالي المغربي المولد. ونذكر ايضا فيلم “كليوباترا” (1963) التي لعبت دورها الممثلة الأمريكية البريطانية اليزابيث تايلور ، وكرست بملامحها الأوروبية صورة مغلوطة عن الملكة المصرية التي واجهت امبراطورية روما.

فيلم” 10,000 BC ” من اخراج رولاند ايميريك صور الفرعون كعملاق أبيض ، ملمحا إلى أن الحضارة التي بنت الأهرامات لم تكن مصرية بل أتت من الغرب! فكرة سبق لإيميريك أن قدمها في فيلم Stargate (1994) “بوابة النجوم” الذي يؤكد أن حضارة من المخلوقات الفضائية هي التي بنت الأهرامات فلا فضل للشعب المصري فيها.

ليست مصادفة إذاً وجود عشرات الأفلام التي تصور الأفارقة عبيدا ولكن نادرا ما نجدهم بدور الملوك. فهنالك على ما يبدو إصرار لدى صناع السينما في هوليود على نزع الحضارة الفرعونية من جذورها الأفريقية وتصويرها من منظور أوروبي غربي لخدمة أكاذيب لا جذور لها. فالرجل الأبيض سيكون دوما السيد والإله في هوليود.

بواسطة جمال قبطان

كاتب لبناني متخصص في الشؤون السينمائية والنقد الفني