الحسناء المصرية جاسوسة الموساد

بقلم | علي أحمد

“هي دي مصر يا عبله” … أحد أشهر الجمل المرتبطة في أذهان المصريين عن أفلام حرب أكتوبر ، تلك الجملة التي قالها الفنان محمود يس للفنانة مديحة كامل التي أدت دور الجاسوسة “هبة سليم” أو عبلة كامل كما جاء اسمها في فيلم “الصعود إلى الهاوية”.. فمن هي هبة سليم؟

في ذكرى انتصارات أكتوبر 1973 ، والذي لم يكن انتصارًا في ميدان القتال فقط ، بل كان انتصارًا مخابراتيًا بامتياز، لعبت فيه المخابرات المصرية دورًا كبيرًا خاصة فيما يتعلق بالإيقاع بالجواسيس وأخطرهم “هبة سليم”، تلك الجاسوسة التي تدخلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية “جولدا مائير” بنفسها من أجل إطلاق سراحها لكن الرئيس الراحل محمد أنور السادات رفض ذلك قطعيًا بل وتم إعدامها.

وتزامنًا مع تلك الذكرى تنشر العديد من المواقع صورًا مختلفة بزعم أنها تعود لـ “هبة سليم” لكن الحقيقة أن الصور المتداولة (راجع الصورة أعلاه) تعود لعارضة الأزياء الإنجليزية “Christin Keeler” بطلة فضيحة “بروفومو” الشهيرة في الستينيات التي أطاحت بوزير الحرب البريطاني جون بروفومو في حكومة ماكميلان المحافظة ، بل وأطاحت بالحكومة نفسها. كما تم نشر صور تعود للأمريكية “كريستين جلبرت” الممرضة السابقة صاحبة أحد أكبر القضايا التي شغلت الرأي العام في الولايات المتحدة خلال التسعينيات حيث أدينت بقتل أربعة وبمحاولتي قتل لمرضى، وتسببت بالأزمات القلبية للمرضى بواسطة حقنهم في الوريد بجرعات كبيرة من الأدرينالين.

الجاسوسة هبة عبد الرحمن سليم

بدأت قصة “هبة سليم” مع المخابرات الإسرائيلية عندما قررت استكمال دراستها في الخارج بعد نكسة 1967 وتحديدًا في فرنسا بجامعة “السوربون”، والتي تعرفت فيها على طالبة يهودية بولندية وتوطدت العلاقة بينهما. واستغلت الصديقة اليهودية الكراهية التي لمستها في “هبة سليم” للعرب وإيمانها بضرورة تحقيق السلام لإقناعها بالعمل مع الموساد ، وتحمست الطالبة المصرية كثيرًا حتى أنها بدأت تقدم المساعدات بدون مقابل مادي.

وخلال اللقاءات بين الاثنين ذكرت هبة سليم بأنها تعرف ضابطًا مصريًا كان يشغل منصب مدير مكتب قائد سلاح الصاعقة ، وهو المقدم فاروق عبد الحميد الفقي. وعلى الرغم من أن رتبته أقل من القادة العسكريين في هذه الوحدة إلا أنه كان يحضر اجتماعاتهم ، خاصة وأن مصر كانت تسلمت في تلك الفترة صواريخ من نوع “سام 6” الروسية وبدأت ببناء منصات لها والتحضير لحرب مقبلة.

تلقف عميل “الموساد” تلك المعلومة وطلب منها العودة إلى القاهرة وإعادة العلاقات مع الضابط المصري.وكان الفقي يتردد على نادي الجزيرة قبل مغادرة هبة إلى باريس. وكان مغرمًا بها ويلاحقها طوال الوقت دون أن تلتفت إليه ، ولما عادت اتصلت به وعبرت له عن إعجابها بشخصيته وصارت تلتقيه يومياً.

وتقدم الضابط المصري لخطبتها من أهلها الذين وافقوا ، وعرفت كيف تستدرجه للعمل معها ، واستأجر العميل الجديد شقة في حي المعادي وعلّمته هبة كيفية استعمال الحبر السري وطريقة الاتصال بها ، وهكذا تمكنت خلال فترة وجيزة من الحصول على كمية كبيرة ومهمة من المعلومات الدقيقة ، أهمها الحصول على خرائط عسكرية واضحة المعالم عن أماكن بناء منصات الصواريخ.

كنز استراتيجي لإسرائيل

وعادت هبه سليم إلى باريس وهي تحمل صيداً ثميناً للمخابرات الإسرائيلية. وبالفعل انتقل ضابط كبير خصيصاً إلى العاصمة الفرنسية لتسلم الخرائط التي لديها ، وعندما التقاها واطلع على الخرائط الدقيقة طلب منها مرافقته إلى تل أبيب لمقابلة مرؤوسيه ، وتحديدا رئيس جهاز “الموساد” ليقدم لها الشكر  شخصياً.

وعندما اقتربت طائرة “إل عال” الإسرائيلية من مطار بن جوريون في تل أبيب قامت طائرتان حربيتان بمرافقتها تحية للجاسوسة المصرية ، وهبطت من على سلم الطائرة قبل جميع المسافرين ، واصطف الضباط الكبار على جانبي السلم وأدوا التحية العسكرية لها. في المساء التقت هبة سليم برئيسة الوزراء آنذاك ، جولدا مائير. وكان يقف إلى جانبها رئيس “الموساد” مائير عاميت ، ويومها قالت جولدا لهبة:

“ما قدمتيه لإسرائيل لم يستطع أحد من الحاضرين أن يقدمه لدولتنا”.

في صباح اليوم التالي قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف منصات الصواريخ الظاهرة في الخارطة ، وكلما قرر الجيش المصري بناء منصات جديدة تقوم إسرائيل بقصفها أولاً بأول ، مما لفت انتباه المخابرات المصرية التي بدأت بالتحقيق مع كل من يحضر اجتماعات القيادة المصرية المسؤولة عن التحضير لنصب الصواريخ ، في محاولة لحل اللغز الذي دل على وجود عميل سري ينقل المعلومات إلى إسرائيل.

بعد أيام نجحت المخابرات المصرية في كشف العميل وتم القبض عليه بسرية تامة ، وخلال التحقيقات اعترف الضابط المصري بفعلته وقال إن خطيبته هبة سليم هي العقل المدبر ، وهي صلة الوصل مع الإسرائيليين. وتمت محاكمة المقدم فاروق الفقي عسكرياً بسرعة وبسرية تامة ، وأعدم بعدها رميًا بالرصاص. يشار إلى أن الفقي كان ضمن الضباط القلائل الذين كانوا سيعرفون بموعد الحرب “ساعة الصفر” باعتباره عضوًا في “غرفة العمليات”.

خطة المخابرات المصرية للإيقاع بـ “هبة سليم”

وضعت المخابرات المصرية خطة للقبض على هبة سليم. وكان الحل استدراجها للسفر إلى ليبيا حيث يعمل والدها مدرساً هناك. وتم التنسيق مع السلطات الليبية وأقنعوا والدها بأن ابنته متورطة بخطف طائرة إسرائيلية مع الفلسطينيين وهي مطلوبة لإسرائيل. والحل هو ادعاء الوالد بأنه مريض جداً ويريد رؤية ابنته. وفعلاً أدخلوه إلى المستشفى وقام بالاتصال بها عدة مرات وهي في باريس إلى أن وافقت على المجيء إلى طرابلس. وما أن هبطت من الطائرة حتى وجدت حولها رجال المخابرات المصرية. ساقوها بالقوة إلى طائرة جاثمة في مطار طرابلس متوجهة إلى القاهرة.

حين علمت إسرائيل بالقبض على هبة فتح وزير الخارجية الأمريكي “هنري كيسنجر” الموضوع مع الرئيس المصري بطلب من اسرائيل للضغط عليه وتخفيف عقوبة إعدام الجاسوسة هبة سليم ، لكن الرئيس السادات أعلمه بأنه قد تم إعدامها بالفعل ، وأنه لا داعي للوساطة.

وكانت هبه سليم متأكدة أن الإسرائيليين سيقومون باختطافها من سجن النساء ، لذلك كانت تتزين كل يوم وترش العطور الباريسية على جسدها ، كما كانت قد قدمت التماساً للرئيس المصري وزوجته جيهان لإصدار عفو رئاسي عنها ، لكن الالتماس رُفض ، ليسدل الستار على قصة “هبة سليم” التي صُنفت كأخطر جاسوسة مصرية جندها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي.

منقول بتصرف عن موقع بلس مباشر

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.