لوليتا ، الاسم المغضوب عليه

تحوّل اسم العلم “لوليتا” في الغرب إلى مرادف للفتاة المراهقة التي تتمتع بجاذب جنسي قوي أو بملامح لافتة آخاذة. ولمعرفة السبب الكامن وراء هذا التحوّل في الدلالة على اسم “لوليتا” ، يجب أن نعود بالتاريخ إلى عام 1955 ، وهي السنة التي نُشرت فيها رواية بطلها شخص يُدعى همبرت همبرت ، الذي تكوّنت لديه رغبات شهوانية تجاه فتاة في الثانية عشرة من عمرها. إنها هذه الرواية التي جعلت القراء والنقاد على حد سواء يطرحون آنذاك السؤال التالي: ما هو الحد الفاصل بين الأدب والإباحية؟

بعد اندلاع الثورة الروسية عام 1917 استطاع المؤلف الروسي المولد فلاديمير نابوكوف أن يفر من وطنه الأم إلى بريطانيا حيث استقر هناك والتحق بمدارسها. اتخذ نابوكوف من كتابة الرواية ونظم الشعر مهنة له في باريس وذلك في نهاية حقبة الثلاثينيات. وقد شاءت الأقدار أن يفر نابوكوف هو وعائلته مرة ثانية ، لكن هذه المرة من باريس إلى الولايات المتحدة عام 1940 ، وذلك هرباً من الهجمات النازية الألمانية التي شنتها على أوروبا. استقر بعدها مؤلفنا في ولسلي كوليدج بالقرب من بوسطن ، حيث ذاع صيته ككاتب ومحاضر لامع ، وكهاوٍ يتمتع بخبرة كبيرة في جمع الفراشات. نال نابوكوف الجنسية الأمريكية عام 1945 وتابع عمله كأستاذ جامعي في هارفرد و كورنيل. وخلال رحلة له إلى أوريغون ، أخرج إلى العالم واحدة من أهم الروايات وأكثرها إثارةً للجدل على الإطلاق.

ترسم رواية “لوليتا” بكلمات منمقة حياة أستاذ جامعي تتملكه رغبات منحرفة غير سوية تجاه فتيات مراهقات. بعد أن استقر همبرت في نيو إنغلند ، تصف الرواية كيف وقع في غرام دولوريس ، التي أسماها همبرت بـ “لوليتا” ، المراهقة ذات الـ 12 ربيعاً وابنة مالكة المنزل الذي يقيم فيه. وتصف الرواية كيف كان الأستاذ همبرت متيماً بـ “لوليتا” لدرجة أنه تزوج بوالدتها لكي يكون بالقرب منها. حين توفيت زوجته أصبح همبرت وصياً على “لوليتا” التي أقامت علاقة غرامية مع شخص يدعى كلير كويلتي ، لتبتعد بذلك عن زوج أمها الأستاذ همبرت. ثم تمر عدة سنوات وتعود لوليتا لتتصل بالأستاذ همبرت دون سابق إنذار بعد أن أصبحت متزوجة وحاملاً بطفلها الأول وهي في الـ 17 من عمرها. تستمر أحداث الرواية إلى أن يقنع الأستاذ همبرت لوليتا بأنه سيعطيها ثروته لو أخبرته باسم عشيقها السابق. وتتواصل أحداث القصة حتى يجد الأستاذ همبرت حبيبها المدعو كويلتي ويُطلق عليه الرصاص فيرديه قتيلاً ، لينتهي به المطاف وراء القضبان بتهمة القتل. وفي أثناء انتظار النطق بالحكم في قضيته ، يؤلف الأستاذ همبرت رواية يُطلق عليها اسم “لوليتا” ثم يموت من بعدها. وتنتهي الرواية بانتهاء حياة لوليتا  أثناء ولادة طفلها.

على الرغم من السمعة الأدبية العالية التي تمتع بها نابوكوف بين زملائه ، إلا أن دور النشر الأمريكية أجمعت على رفض نشر رواية لوليتا. فأي رواية بطلها منحرف أو متحرش جنسي بالأطفال ، مهما بلغ مستوى كتابتها رفعةً ، إلا أن موضوعها بقي أمراً مُحرماً في الولايات المتحدة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. لكن الرواية في نهاية المطاف وجدت طريقها إلى النشر من خلال دار نشر باريسية قامت بتوزيع 5 آلاف نسخة منها عام 1955 ، بيعت كلها بسرعة ، وبصمت. وقد كتب أحد النقاد في لندن معلقاً على الرواية يقول:

“إنها واحدة من أفضل روايات هذا العام “، ليرد عليه كاتب آخر يصف رواية “لوليتا” بأنها: “أقذر” رواية سبق وقرأتها وأنها إباحية محضة غير مُقيدة بشيء”.

أدى هذا السجال الثقافي إلى حظر الرواية في لندن وباريس. ولكن عندما تم نشرها أخيراً في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1958 ، كانت هناك إشادة بالأسلوب الكتابي لمؤلفها، لكن في الوقت ذاته أدين موضوعها من الناحية الأخلاقية. إلا أن هذا السجال ما بين مؤيد ومعارض لرواية “لوليتا” جعلها واحدة من أكثر الروايات مبيعاً منذ صدور رواية ذهب مع الريح ، حيث بيع منها أكثر من مئة ألف نسخة خلال ثلاثة أسابيع فقط.

يُذكر أن العديد من المكتبات العامة في الولايات المتحدة منعت عرض الرواية ، كما امتنعت جريدة شيكاغو تريبيون عن مراجعتها. أما صحيفة نيويورك تايمز فقد وصفت الرواية بأنها “إباحية رفيعة المستوى”. في نهاية المطاف كُلف نابوكوف بكتابة سيناريو روايته التي حوّلها المخرج ستانلي كوبريك إلى فيلم سينمائي عام 1962 تحت عنوان “لوليتا”. وقبل سنين من تأسيس الجمعية المسؤولة عن تقييم المحتوى السينمائي وفقاً لسن المشاهدين ، كان يُنصح من هم فوق الثامنة عشر من العمر بمشاهدة الفيلم. ورداً على سؤال النقاد السينمائيين حول كيفية صنع فيلم  عن “لوليتا” المراهقة ، كانت الإجابة بتحويل سن البطلة من 12 إلى 14 عاماً.

تُعتبر “لوليتا” واحدة من أهم الأعمال الروائية الأدبية الأمريكية في القرن العشرين. وقد مكّن النجاح النهائي الذي حققته الرواية مؤلفها فلاديمير نابوكوف من الانتقال مع أسرته إلى سويسرا حيث تابع التأليف وهواية جمع الفراشات. وقبل وفاته عام 1977 ، ذكر نابوكوف في إحدى المقابلات الصحفية بأنه كان فخوراً جداً بتأليف روايته “لوليتا” ، وأشار قائلاً:

“قد أكون أنا المسؤول عن امتناع الناس الآن عن تسمية بناتهم باسم لوليتا. سمعتُ عن إناث كلاب سُميت بهذا الإسم … لكن لا أحد من البشر”

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com