أجسامنا بين أمس واليوم

حتى عام 1970 كانت أغلبية الناس تتمتع نسبياً بلياقة بدنية جيدة بعيداً عن البدانة المفرطة. ولم نسمع آنذاك بأنظمة غذائية للتنحيف مثل الكيتو أو الفيغان أو الباليو. كما لم تكن هناك حاجة إلى شراء أجهزة الرياضة المنزلية ، ولم نسمع باشتراكات شهرية في صالات رياضية ، أو بأسماء متخصصين في تقنيات التخسيس والتنحيف ، ولم يكن لمشروبات البروتين وجود فعلي ، ولم نُحصِ السعرات الحرارية الداخلة لأجسامنا. فما الذي حدث؟

يعزو خبراء أسباب انتشار البدانة المفرطة في المجتمعات الغربية ومجتمعاتنا العربية أيضاً إلى عوامل عدة ، أهمها الزيادة المرتفعة في استهلاك الأدوية التي يصفها الأطباء لمرضاهم بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية لمشكلاتهم الصحية. وانتشار الأطعمة الجاهزة التي ترتفع فيها نسبة كل من السكر والملح ، إضافة إلى الأطعمة المُصنعة المشبعة بالزيوت المهدرجة والمواد الكيميائية الحافظة.

أما على صعيد النشاط الحركي ، فإن الكسل والخمول البدني الناجم عن تناول مثل تلك الأطعمة باستمرار يساهم بدوره في تقليل نشاط الجسم وهمته ، ما يرفع احتمال الابتعاد عن مزاولة التمارين الرياضية والمشي.

كما تلعب نوعية وظيفة العمل التي يضطر صاحبها إلى الجلوس لفترات زمنية طويلة ، إما امام الشاشات الكبيرة أو شاشات الأجهزة الإلكترونية الصغيرة دوراً هاماً في خمول الجسم وكسله. ولا ننسى طبعاً الانتشار الواسع لخدمات التوصيل للمنازل ، والتي تثبط همة طالبها إلى عدم مغادرة البيت لشراء حاجياته من السوق بنفسه.

تقود حياة الخمول والكسل هذه ، والبقاء في أماكن مغلقة لفترات طويلة إلى مشكلة أخرى لا يعاني منها الأشخاص الذين يتواجدون في أماكن طبيعية بشكل مستمر ، حيث يسهل على أجسام هؤلاء الحفاظ على مستويات مناسبة من فيتامين د ما يرفع من حصانتهم الصحية بشكل ملحوظ في موسم الشتاء خصوصاً.

أضف إلى ما سبق أن نقصان المغذيات في التربة الزراعية يعني أن ما تنتجه من محاصيل تفتقر إلى أنواع الغذاء الكاملة التي عهدناها خلال وقبل حقبة السبعينيات. مثال على ذلك ، إذا أردت مثلاً الحصول على القيمة الغذائية الكاملة التي كانت موجودة في رأس الخس قبل مئة عام ، فقد تضطر اليوم إلى تناول عشر رؤوس من الخس لتحصل على تلك القيمة الغذائية الكاملة. وعليه فإن النقطة الواجب توضيحها هنا هي أنه كلّما حُرم جسم الإنسان من المغذيات الطبيعية ، كلّما ارتفعت نسبة الطعام المطلوبة لسد رغباته ، وهو ما يُدخل الجسم في دائرة مغلقة يصعب الخروج منها.

كما تلعب السموم البيئية والمواد الكيميائية في مستحضرات التجميل والبلاستيك وغيرها دوراً هاماً في الإخلال بالتوازن الهرموني للجسم ، ما يزيد من احتمالات الإصابة بالبدانة وأمراض السكري من الفئة الثانية ، وأمراض جلدية وسرطانية ناجمة عن الخلل الوظيفي في عمل الهرمونات.

غير أن هذه الظاهرة ، أي ظاهرة إنتشار البدانة المفرطة أو السمنة الزائدة ، يمكن مجابتها بسهولة من خلال اتباع عدة خطوات يسيرة ، لا تتطلب سوى تحفيز الذات فقط وإعداد خطة عمل للإقدام عليها تجنباً للعواقب الصحية الناجمة عن التمادي في مثل تلك الحالات.

من تلك الخطوات التي يمكن القيام بها الآن:

أولاً: التقليل ، إلى أقصى حد ممكن ، من كميات السكر أو السكريات أو المشروبات السكرية والأطعمة الكربوهيدراتية ، والابتعاد نهائياً عن الزيوت المهدرجة ، أو تلك المستخرجة من البذور . تناول الأطعمة المشبعة بالدهون الطبيعية كالجوز وبذر اللقطين مثلاً أو غيرها من اللحوم المدهنة باعتدال.

ثانياً: مزاولة الرياضة ، أياً كان نوعها ، 3 مرات أسبوعياً على الأقل. وتعريض الجسم لأشعة الشمس لأكبر قدر ممكن في الفترات التي لا تكون فيها الأشعة فوق البنفسجية في أوجها ، أي في فترة الصباح وما قبل الظهيرة ، وفي فترة العصر من كل يوم.

ثالثاً: تناول أو زراعة الخضروات والفاكهة الطبيعية العضوية غير المضاف إليها مبيدات حشرية أو معدّلة وراثياً ، مزروعة في بساتين أو حقول مجتمعية خاصة أو في حديقة منزلك الخلفية ، حيث تستعمل السماد الطبيعي المؤلف من بقايا الأطعمة المنزلية لديك والمعروفة بالكمومبوست.

لأن راحة الجسم تبدأ من القدمين ، ولأن تلك الراحة قد تعني سعادة صاحب هذا الجسم ، فقد بات لزاماً عليه أن يبدأ أولاً بتخفيف عبء الوزن الزائد عن قدميه ، وصولاً إلى تحقيق جسم سليم يخلو من الأمراض المرتبطة بزيادة الوزن ، وهو ما سيقود صاحبه في نهاية المطاف بعيداً عن أي يأس أو قنوط ليعيش حياته في جسد يقوم بوظيفته كما قدّرها الله سبحانه وتعالى.

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com