حين تعلو أصوات البغال

يُحكى أنه قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، انطلقت سفينة شحن عثمانية من مدينة إسطنبول التركية إلى إحدى الموانئ العربية ، وكانت السفينة مُحمّلة بعدد كبير من البغال لخدمة الجيش العثماني ، حيث كانت البغال تُعد من أهم وسائل النقل العسكرية آنذاك.

ونظراً إلى الحجم الكبير لسفينة الشحن ، كان يتم إخطار المسؤول عن إطعام البغال بواسطة بوق خاص على متن السفينة ، فما أن يسمع ذلك المسؤول نفير البوق ، يبدأ بفرش العلف للبغال.

لم يكن المسؤول عن توزيع العلف الوحيد الذي فهم متى يحين موعد إطعام البغال ، بل فهمت البغال أيضاً أن بعد انطلاق نفير البوق سيأتيها طعامها. وهكذا استمر الحال على متن السفينة خلال رحلتها ، ونفير البوق يصدح مرتان في اليوم إذاناً بحلول وقت الأكل.

ولكن ذات يوم تأخرت السفينة خلال عبور قناة السويس لعدة أيام ، ولأن كمية العلف كانت محدودة ومرتبطة بزمن الرحلة ومسافتها ، فقد أدى ذلك إلى شح في العلف. فقرر قبطان السفينة خفض استهلاك العلف لمرة واحدة في اليوم بدلاً من مرتين ، بعدها بدأت البغال تشعر بالجوع فتخبط بحوافرها أرضية سفينته ، وازداد غضبها وارتفع هيجانها وعلى نهيقها حين لم يأتها العلف في موعده المعتاد.

قرر قبطان السفينة عندئذٍ الاجتماع بطاقمه لبحث هذه الكارثة وتداركها كيلا تُحدث البغال ضرراً في السفينة قد يؤدي إلى غرقها بحمولتها فتعاقبه السلطات على إهماله … حينها أشار عليه أحد أفراد الطاقم بفكرة غير اعيتادية مفادها أنه حين تهيج البغال فقط يقوم المسؤول عن البوق بإطلاق النفير ، لعل وعسى البغال تحسب بذلك أن الطعام آتٍ إليها فتهدأ … وهذا ما كان.

وفعلاً كلّما هاجت البغال تم إطلاق نفير البوق فهدأت ، واستمرت رحلة السفينة على هذا المنوال لبضعة أيام : بغال تهيج ، مسؤول عن البغال يُطلق النفير ، البغال تهدأ … حتى اعتادت الأخيرة على أكل فتات العلف ، وبلغت السفينة بحمولتها بر الأمان.

يُستشف من هذه الرواية المنقولة أن الفكرة “العبقرية” التي خرج بها أحد أفراد الطاقم لكتم صوت نهيق البغال وحماية السفينة ، وهي فكرة لربما درسها في مادة علم النفس والسلوك ، هي فكرة لاتزال تُستخدم حتى يومنا هذا ، إنما في إطار مختلف وبأدوات حديثة ومتنوعة هدفها إخضاع بعض المجتمعات التي تسيرها قيادات فاشلة ، وتبيع لها الأوهام تارة أو تروّج لأحلام غير واقعية تارة أخرى.

وحين تعلو الأصوات المطالبة بتصحيح المسار وتحسين الأوضاع المعيشية المتأزمة ، إلى جانب ضرورة معاقبة المفسدين ومحاسبة المسؤولين المتقاعصين عن مهامهم ، يأتي عندئذ الأمر بإطلاق … النفير!

Image by: Jordan Durzi

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.