د. عبد الوهاب المسيري
… سنكتشف أن عداء الغرب للإسلام نابع من عدائه للإنسان. وهذه حقيقة لابد أن نضعها في اعتبارنا دائماً.
كنتُ في مؤتمر في لندن عن سقوط العلمانية ، وسألتني إحدى الباحثات: “أليس الإسلام هو البحث عن الهوية؟”
فقلت لها لا ، لو كان هو البحث عن الهوية … كانت [أي السائلة] تقف في صفوف الإسلام ، في صفوف المسلمين ، باعتبارنا مستضعفين ، وحوّلت القضية كلها إلى قضية هوية. فقلت لها: لا ، وإنما هي قضية إقامة العدل في الأرض.
حينما قلت هذه الكلمة في المؤتمر ، ارتج على السامعين ، لأن فكرة العدل مرتبطة بفكرة الحقيقة ، وفكرة الحقيقة مرتبطة بالمطلقات ، والمطلقات غير معروفة الآن في الغرب ، كل الأمور نسبية ، كل الأمور متساوية ، فإن ظهر شخص وتحدث عن إقامة العدل في الأرض ، فهذا يذكرهم بماضيهم ، لأنهم في يوم من الأيام أيضاً كانوا يتحدثون عن إقامة العدل في الأرض لكنهم فقدوا البراءة ، فقدوا الإنسانية ، ومن ثم الإسلام يذكرّهم بنبلهم الذي فقدوه. وهذا هو سر الضغينة ضد الانتفاضة أيضاً.
في الغرب يجب أن تكون برمجاتياً ، عملياً ، تقبل ما تُعطى من أموال. رئيس جمهورية الولايات المتحدة ، نيكسون ، بعد أن ترك منصب الرئاسة ، عُرض عليه ثمن مرتفع في منزله ، فباعه على الفور.
نائب رئيس الجمهورية ، عام 1964 حينما فشل في الانتخابات بعد يومين كان في التلفزيون في إعلانات أمريكان إكسبرس ، وهكذا. كل شيء خاضع للتفاوض ، كل شيء معروض للبيع.
عرّف أهل الأساتذة الحداثة بأنها إسقاط كل القيم الكونية بما في ذلك علاقات القرابة ، وإخضاع كل شيء للتفاوض ، أي يصبح كل شيء جزء من السوق ، من عالم البيع والشراء ، وفي السوق لا يوجد نبل ، وفي السوق لا يوجد بطولة ، وفي السوق لا يوجد حقيقة ولا عدل.
يجب أن نضع هذا في الاعتبار حتى ندرك سر هذا العداء الشرس للإسلام ، أنه عداء للإنسان ، ومن ثم هو عداء لكل الأصوات في الغرب مسيحية كانت أم يهودية إن طالبت بإقامة العدل في الأرض. لأن هذا ، يعني أن هناك حقيقة ، وأن هناك منظومات قيمية تستند إلى هذا ، وأن هناك ظاهرة تسمى الإنسان ، مختلفة تماماً عن الظواهر الطبيعية ، فالغرب لا يمكن أن يعترف بها …
الترجمة الإنكليزية على موقعي الخاص هنا
[ المقتطف تم تفريغه نصياً من إحدى ندوات المفكر الكبير الراحل الدكتور المسيري لأغراض البحث الفلسفي والفكري … رابط الفيديو ]