الرجل الذي أنقذ العالم

فاسيلي أليكساندروفيتش أرخيبوف كان ضابطاً في البحرية في الاتحاد السوفيتي السابق. يعود له الفضل في التصويت ضد توجيه ضربة نووية سوفيتية للولايات المتحدة خلال أزمة الصواريخ الكوبية ، والتي كان من المحتمل أن يترتب عليها ردود أفعال لأدخلت العالم في حرب نووية حرارية وتسببت في دمار فادح أو في فناء البشرية وزوال عواصم بأكملها مثل لندن وباريس وموسكو وواشطن.

في السابع والعشرين من أكتوبر عام 1962 ، نصب الاتحاد السوفييتي قواعد لصواريخ نووية سرية في كوبا لضرب أهداف في عمق الولايات المتحدة الامريكية إذا ما تطلب الحاجة إلى ذلك. لكن المخابرات الامريكية الـ CIA اكتشفت تلك القواعد ، وبات العالم على شفير حرب نووية عالمية حيث عُرفت تلك الحادثة وقتها بأزمة الصواريخ الكوبية. ما استدعى استنفار الجيش الأمريكي بكامل قطاعاته ، وفرض حظر بحري على جميع السفن التي تقترب من كوبا.

وتصادف أنه كانت هناك غواصة نووية روسية من طراز B-59 (راجع الصورة أدناه) تعمل بالديزل تقوم بدورية عسكرية في عمق البحر وقد اقتربت من المنطقة التي فرضت عليها الولايات المتحدة الحضر البحري دون علم طاقم الغواصة السوفيتية بالأحداث التي تعرضت لها تلك المنطقة من قصف جوي بطائرات أمريكية. وفي المنطقة نفسها من البحر الكاريبي رصدت البحرية الأمريكية الغواصة ، وباغتتها بصواريخ مائية لإجبارها على الصعود إلى سطح الماء من أجل التعرف عليها. حيث لم تكن البحرية الأمريكية على علمٍ بأن تلك الغواصة تابعة للبحرية السوفييتية وبأنها تحمل طوربيدات نووية مُدمرة. ومع كل صاروخ كانت البحرية الأمريكية تُطلقه ، كانت الغواصة تهتز على وقع كل انفجار جديد. ولم يكن طاقم الغواصة يدرك ماهيّة تلك الصواريخ ، وهل هي إشارة على اندلاع الحرب وإعلانها من قِبل البحرية الأمريكية أم لا.

وما جعل الأمور أكثر خطورة كان انطلاق صافرات الإنذار داخل الغواصة السوفيتية معلنة عن إطلاق صاروخ نووي أميركي نحو الأراضي السوفييتية وتكرر انطلاق صفارات الإنذار أكثر من مرة ، فاعتقد طاقم الغواصة أن الحرب العالمية الثالثة قد اندلعت ، بالرغم من عدم قدرة قادة الغواصة على الاتصال بالقيادة السوفيتية للتحقق من الأمر بسبب العمق الذي كانت عليه ، فما كان من طاقم الغواصة إلا أن قام بتجهيز الطوربيدات النووية للرد على التهديد الأمريكي.

غواصة سوفيتية من طراز بي-59

كان البروتوكول العسكري لإطلاق أية طوربيدات نووية يتطلب موافقة قادة الغواصة الثلاثة. وفي أجواء وصفت بالصعبة والحارة للغاية بسبب أعطال التكييف نظراً لانخفاض طاقة مُحرك الغواصة ، تم التصويت ووافق اثنان من قادة الغواصة على شن الهجوم النووي المضاد ، بينما رفض الضابط الثالث وكان اسمه فاسيلي ارخيبوف التصويت بالموافقة على الضربة النووية. القائد الأول للغواصة فالنتين سفيتسكي كان يعتقد أن الحرب قد اندلعت ، وبسبب فقدان الاتصال مع موسكو كان سفيتسكي مُصراً على إطلاق الطوربيدات النووية. أما فاسيلي فقد لاحظ أن الرادار لم يسجل إطلاق صواريخ نووية رغم انطلاق صفارات الإنذار ، لهذا قرر اعتباره إنذاراً خاطئاً ، وأقنع أرخيبوف القائد الأول على الصعود إلى السطح وانتظار الأوامر من موسكو ، وهو ما حصل بالفعل ، واستطاعوا تجنب الاحتدام مع الأمريكيين والعودة إلى موسكو. وقد تبين فيما بعد أن الإنذار كان بالفعل خاطئاً ونجم عن عطل في القمر الاصطناعي الذي اعتبر انعكاس أشعة الشمس على غيوم مرتفعة بمثابة إطلاق صواريخ.

يقول الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي: “لو تم القرار لكان من شأن ذلك أن يُدمر مُعظم أنحاء العالم”. ويقول توماس بلاتو مُدير أرشيف الأمن القومي الأمريكي أن أرخيبوف “قد أنقذ العالم”. بينما قال شليزنجر مُستشار إدارة جون كينيدي واصفاً تلك اللحظة بأنها كانت “أخطر لحظة في تاريخ البشرية”.

تحوّلت أحداث هذه القصة الحقيقية إلى فيلم سينمائي أنتج عام 2015 بعنوان The Man Who Saved the World “الرجل الذي أنقذ العالم”.

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com