مخاطر الإدمان على الحب

يحدث الإدمان في الحب، حين يحاول العاشق الاستيلاء على مشاعر الطرف الآخر في العلاقة، ويأخذ الإدمان أشكالاً وأبعاداً مختلفة من السلوك. وهذا النوع من الإدمان موجود لدى غالبية العاشقين، وطرق معالجة هؤلاء تشبه كثيراً علاج مدمني الكحول والمخدرات!

ويصف بعض العلماء هذا الإدمان بأنه “الحب القهري” ومنهم عالم النفس الشهير سيغموند فرويد الذي يتناول في دراساته “الرجل الذئب”، لكنّ الرجل الذي فتح الأبواب لمناقشة هذا المفهوم، هو مؤلف كتاب “الإدمان والحب” الذي يشير إلى أن هذا الإدمان يبدأ بشعور إنسان يتعاطف مع إنسان آخر في لحظة انجذاب بريئة، وفي ثوانٍ يتحوّل الطرف الآخر إلى رمز للحب الأبدي عند المدمن الذي يسيطر عليه الشعور بالارتباط والالتصاق العاطفي تجاه الطرف الآخر من دون وعي.

ومن الأدلة على أن مشاعر الحب يمكن أن تتحوّل إلى إدمان، هي عندما يؤمن العاشق أن الشخص الذي يحبه، هو الوحيد الذي يمنحه السعادة في الحياة، ولا يصدق أن مثل هذا الشعور القوي غير صحيح، إلى أن يكتشف ذلك بنفسه عندما لا يتجاوب معه الطرف الآخر.

ومعظم حالات الإدمان في الحب تبدأ بالبحث عن حاجة عاطفية تكبر مع المدمن منذ طفولته، مثل الحاجة للشعور بالأمان، أو الحاجة للشعور بالاهتمام، وأحياناً تكون مثل هذه الحاجات في عقله الباطن تقوده مع مرور الزمن.

وكما يحدث في حالات إدمان الكحول والمخدرات، فإن المدمن في الحب غير قادر على الوصول إلى حالة الرضا، إضافة إلى الشعور بالاحتراق الداخلي حين لا يكتفي بمشاعر الحب المرتبط بالعطاء من الطرف الآخر، والذي يجب أن يكون مستمراً ومتواصلاً من وجهة نظر المدمن، وبهذه القناعة يدمّر المدمن إنسانيته ، عندما يخسر الشخص الذي أدمن عليه. حتى إن طريقة نومه تتغيّر فتراه ينام وجسمه يأخذ شكل القرفصاء ، مثل الطفل المحروم من حبّ أمه!

وحين تنتهي العلاقة يمرّ المدمن بحالة “الانسحاب العاطفي” المصحوب بالألم، تماماً كما يشعر مدمن الهيروين عندما لا يجده فيظل يبحث عنه كالمجنون. ثم سرعان ما يفقد مدمن الحب السيطرة على نفسه، ويبدأ التعامل بعنف مع الآخرين ، ويشعر بالاكتئاب والوحدة وفقدان الاستمتاع بالحياة.

وتشير بعض الدراسات إلى أن المنطقة المسؤولة عن إدمان المخدرات في الدماغ عند الإنسان، هي نفسها المنطقة المسؤولة عن “إدمان الحب”، ومن هنا يمكن القول إن الوقوع في الحب والغرام يجب أن يكون بالتدريج، ومن دون التمادي والاندفاع بصورة مبالغ فيها..

ويقول مؤلف الكتاب إن “الامتداد والاستمرار في الحب نوع من الجنون”. وهناك مطلع قصيدة للشاعر الراحل محمود درويش، يقول فيها: “هذا هو الحب، إني أحبّك حين أموت، وحين أحبّك أشعر بالموت”! وهذا ما يشعر به المدمن خلال رحلة استمتاعه بما يدمن عليه، من دون أن يدري أن العاشق حين يتمادى في العشق يخسر. وإذا كان الحب يؤدي إلى إدمان وخسارة وجنون وموت، فالأجدر بنا أن نربي أطفالنا على معنى الحب وكيفية ممارسته بتوازن، لا بتطرف يمكن أن يقضي عليهم. وقد ذكر أحد الفلاسفة أن حاجة الإنسان الأولى بعد الرغيف، هي التربية. ومن أنواع التربية تعليم الناس طقوس الحب، منذ سنوات الطفولة.

عبد الكريم بيروتي
كلام نسوان

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.