الإرهاب الفكري … وسجن الأفكار

يقول رالف ايمرسون “نحن سجناء الأفكار” ، وفي ظل واقع الحياة في المجتمعات العربية ، وحالة الطغيان وكبت الحريات التي تعاني منها المجتمعات ، جاءت مواقع شبكات التواصل الإجتماعية التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ، لتتيح المساحة لحرية الرأي والتعبير ضمن ذلك العالم الإفتراضي ، في ظل غياب هذه المساحة على أرض الواقع.

لكن هذه المساحة التي أتاحتها تلك المواقع كانت فرصة ثمينة إصطادتها بعض الجماعات ذات الإيديولوجيات والمعتقدات المختلفة لنشر فكرها في ظل غياب الحرية الفكرية في عالمنا العربي. فالسبب الذي جعل نسبة استخدام تلك المواقع في ارتفاع مستمر، هو حالة الإرهاب الفكري التي تعاني منه جميع المجتمعات وليس مجتمع دون الآخر لكن كلٌ بنسب متفاوتة. فالإرهاب الفكري بمصطلحه العام هو عدوان بشري مبني على أسس فكرية للحيلولة دون وصول الإنسان إلى الحقيقة ، وذلك بإستخدام كافة وسائل الضغط والمنع النفسي والجسدى والإقتصادي والإجتماعي من أجل التحكم في إرادة الفرد وتكبيلها ، وذلك من أجل تحقيق مصالح وأهداف فكرية معينة أو دينية أو سياسية أو اقتصادية أو إجتماعية. فهذا الإرهاب يربي الفرد على الولاء المطلق للغير لما يؤمن به من معتقدات وأفكار وكأنها مسلمات أي لا مجال لمراجعتها أو مناقشتها ، كأن يعمق ذلك الفكر ويحدد بأشخاص مثل قادة سياسيين أو دينيين ورجال فكر ، هذه الظاهرة تعدم العقل وتلغي وظيفته ووجوده وتلغى لناس حقهم في التعبير عن آرائهم ، فيكون ولاءه للأفكار تارة وللأشخاص تارة أخرى.

وهذا كله يأتي نتيجة لحالة الرقابة الشديدة وعدم توفر المناخ الملائم لممارسة مختلف الحريات الفردية في المجتمعات ، مما يولد عملية قتل للعقل البشري وينتج حالة من الخوف من التحدث في مواضيع تعتبر خطوطاً حمراء يجب تحاشيها ، لأن هذا الأمر قد يعتبره الإنسان خطراً على حياته ، فيحفز ذلك على انتشار الجهل وزيادة حالة التخلف والرجعية.

وتتجسد طرق هذا الإرهاب بأشكال مختلفة كالإضطهاد والعنف ونبذ الآخر والإعتقال والتكفير إلخ … ، حيث تمارسه الجماعات في داخل المجتمع سواء كانت سياسية أو ذات اتجاه فكري معين ضد الجهات المعارضة لفكرها ، بهدف اسكات فكرهم وتكتيم أفواهم. فللوهلة الأولى يبدو لدى البعض أن هناك اختلافاً ومعارضة في الأفكار بين الجماعات السياسية أو الدينية ، فمهما اختلف فكر أو اعتقاد كل حركة ؛ إلا أنهما يتشابهان في آلية المواجهة لأصحاب الفكر الآخر ، وذلك رغبة منهم في السيطرة على العقول وجعلها أحادية الفكر في داخل المجتمع. ويصبح أمام الفرد خياران إما أن يتبع ذاك الفكر وينضم إلى باقي الرعية ، أو ليتحمل عواقب اختياره بتعرضه للتجريح والتشهير والتكفير أو الإتهام بالخيانة ، مما أدى إلى نشر الكراهية والحقد بين الناس وتقبل العنف والاستبداد وقتل الإبداع الفكري نتيجة لحالة الصمت والخنوع على مظاهر الفساد والإفساد.

إن الإرهاب الجسدى اليوم المتمثل في القتل والتفجير وسفك الدماء هو في أساسه قبل أن يصل إلى هذا الحد كان إرهاباً فكرياً ما يزال يعانى منه الأفراد ، فمنفذوا العمليات الإنتحارية مثلاً تعرضوا لعمليات التشويش وغسل للأدمغة استهدفت عقولهم والمسلمات التي يؤمنون بها وحولتها إلى أفكار سلبية نمّت لديهم العداء ونبذ الآخر من خلال النظر في الواقع الراهن للمجتمع سواء كان نظاماً سياسياً أو دينياً أو ذا اتجاه فكري.

اذا أردنا أن نوقف هذا الإستبداد والتهميش للآخرين في المجتمعات ، علينا إيجاد الأسباب التي دفعت نحوه ، وتجذر في داخل الإنسان ، وذلك من خلال إعطاء الحريات وصيانة حقوق الإنسان ومعالجة الآثار النفسية المسببة له. هناك علاقة وثيقة بين الحرية والفكر ، فالحرية الفكرية هي تفعيل لعمل العقل للوصول إلى الحقيقة المطلقة دون تأثره بأي مؤثرات عاطفية أو عوامل خارجية من الإغراء والترهيب والتكبيل بهدف تحقيق مصلحة معينة. فإن لم تستطع المجتمعات تجاوز حالة إختلاف الأفكار والمفاهيم الفكرية فيما بينها ، فإنها لن تستطيع التقدم نحو المستقبل ، فلماذا لا نتقبل الآخر بفكره ؟ لماذا نهمش ونحد من وجوده نحاربه ونعتبر فكره فكراً هداماً دون أن نراجعه أو نتحاور معه. إن الأفكار مهما إختلفت فهى تحدث أثراً فينا وتثرينا ، لتغيير نمطية التفكير في عقولنا لنصل من خلالها إلى الحقيقة ، فمن الممكن أن نصل إلى جوهر يغير شيئاً ما في داخلنا ، “فكرامة الإنسان تكمن في فكره”.

وكما قال برتراند راسل: “لا تخف أن تكون في رأيك شاذاً … فكل الآراء المقبولة الآن كانت شاذة من قبل ذلك.”

بواسطة نهى النيرب

كاتبة ومؤلفة عربية مقيمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية