تويتر بين التكفير والتفكير

إختلاف الرأي لا يفسدُ للود قضية ، فهل هذا الإختلاف مقبول لدينا في المجتمعات العربية؟  أم إن التجارب تثبت عكس ذلك ، وهل إختلاف الآراء والوجهات الفكرية والسياسية عبر شبكات التواصل الإجتماعي ومنها ” تويتر” لا يفسدُ الود؟ أم أن العرب سلموا أنفسهم للتكنولوجيا الجديدة ، وما فيها من فائدة لتعود عليهم بالنفع ، أم قاموا بتسخيرها لدعم توجهاتهم من أجل إرضاء ذواتهم وجماعاتهم لمحاربة الآخر.

عندما تتصفح شبكة “تويتر” ستجد حسابات شخصية لأفراد من أماكن شتى في بقاع الأرض بأشكال وأطياف مختلفة ، فهذه الشبكة كغيرها تعتبر سلاحا ذو حدين. ولكن بالرغم من المساحة التي أتاحتها لحرية الرأي والتعبير، وما يميزها من سرعة في نقل الأخبار والأفكار والآراء ، ورغم التجاوب والانفتاح عليها من قبل الأفراد ، إلا أنك لو تمعنت أكثر وتوغلت في متابعة هذه الشبكة الإجتماعية وما يحدث في داخلها ، فستجد أنها أبرزت على السطح ثقافة الإقصاء والإنتقاص من الآخر بشكل مبالغ فيه. نجد أن هذه الثقافة متجذرة في المجتمعات العربية، نظراً للطبيعة الفكرية للأفراد غير القادرة على تقبل الإختلاف والتي إعتادت على القمع والإضطهاد والتطرف الطائفي والتعصب الفكري. ورأت هذه الفئات ضالتها عبر هذه الشبكات من خلال شن حرب كلامية مستفزة ضد أفراد بعينهم ، والقيام بحملات تحريضية ضدهم واستباحة دماء بعضهم.

فإستغلت الشرخ المجتمعي والفجوات المتباينة ، والتربة الصالحة لإصطياد أصحاب العقول الساذجة وخداعهم بكلامٍ معسول ومنمق ، من خلال غسل أدمغتهم بأفكار هدامة وتكفيرية ، جعلتهم سلعة في أيديهم ، كأنهم صلصال لزجُ سهل التشكيل و التمكين. ففضاء تويتر فضح غياب التوافق الفكري الإجتماعي ، وأبرز مدى ضعف الوعى الثقافي والأخلاقي والديني، ونشر الكره والبغضاء والحقد والحسد، وهذا نتيجة للغياب الفعلي للحوار والحرية على أرض الواقع. الأمر لم يتوقف عند مخالفة الآراء فقط وعدم تقبلها ، بل تعداها ليصل إلى التشهير والشتم والقذف والتحريف وانتهاك الخصوصية الشخصية للأفراد ، والتكفير بشكل مباشر وغير مباشر “فأجرأ الناس على التكفير أقلهم علما به”. لكنك إذا أبحرت في مضامين ما يكتبونه فلن تجد دليلا عقليا أو منطقيا أو حتى دينا دامغا يفند أكاذيبهم أو يؤكد صحة ما يقترفونه.

وهناك الكثير من الأفراد والشخصيات العامة الذين يواجهون حملات “الهاشتاج” والإساءات المغرضة ، وكأنهم يقولون “إذا غردت خارج سربنا أي (فكرنا) فأنت ملعون !!!” … لكن المستغرب أن هؤلاء المغرضين هم ممن يرتدون أقنعة التدين والدعوة لنصرة الإسلام ، فهذه الأفعال المشينة برئُ منها الله عز وجل ، وما هي إلا دلالة على ضعف إيمانهم وغياب وازعهم العقائدي وإلتزامهم الحقيقي ، وذلك بسبب ضلالهم الفكري وتعصبهم الأعمى. فماذا لو تقبلنا الآخر بفكره وأتحنا له فرصة للتعبير عن رأيه بالطريقة التي يريدها ، لماذا نقوم بإضطهاد الآخر ونبذه ما دمنا واثقين من أنفسنا ، فلنرتقي بفكرنا لعلنا نلتقي حتى ولو اختلفت آراؤنا.

بواسطة نهى النيرب

كاتبة ومؤلفة عربية مقيمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية