سياسة عائلية

كل الناس يمارسون “السياسة” بشكل أو بآخر في حياتهم العادية. حتى ولو كان البعض يتصور أنه لا علاقة  له إطلاقاً بالعمل السياسي الذي أصبح يشكل تهمة مخيفة مثل المتاجرة بالمخدرات أو مخالفة الآداب العامة!

فالسياسة بالمفهوم العادي، تدخل حياة كل فرد مهما كان شأنه في المجتمع. وأنا شخصياً أعتبر نفسي سياسياً من طراز رفيع. رغم أني لم أمارس أي عمل سياسي بالمعنى المعروف بل أن كل خبرتي السياسية تتلخص في إدارة شؤون عائلتي الخاصة حسب القواعد السياسية التي تعلمتها من خلال عملي في الصحافة الذي أتاح لي فرصة التعامل مع رجال السياسة الحقيقيين من مسؤولين ومعارضين على اختلاف مستوياتهم فأصابني ما يشبه “العدوى” من شغف باللعبة السياسية وأساليب التكتيك والمناورة وغير ذلك من فنون العمل السياسي!

وكان أخطر قرار سياسي في حياتي طبعاً عندما قررت الزواج … وبعد أن أصبحت رب عائلة صغيرة بدأت في ممارسة هواياتي السياسية المختلفة داخل الإطار العائلي. حيث اكتشفت أنني لست صاحب القرار الوحيد في البيت. فقد كانت الزوجة تمثل أحد مراكز القوى الرئيسية داخل الأسرة باعتبارها “وزيرة” الداخلية وتتدخل أيضاً في الشؤون المالية والميزانية العامة. ورغم أنني كنت صاحب السلطة والحاكم الوحيد في البيت. فقد كانت زوجتي تمارس أحياناً دور “زعيم المعارضة” وخصوصاً عندما تصل معارضتها إلى حد نشوب الخلافات الزوجية وإعلان حالة الطوارئ في البيت. وإذا تطورت الأوضاع وتدهور الموقف بصورة خطيرة بيني وبينها تلجأ إلى الاستعانة بالقوى العظمى (أي والدتها) التي تتدخل دائماً في الشؤون الداخلية دون احترام لمبادئ السياسة وحق تقرير المصير، … وبذلك تضطر القوى العظمى الأخرى (أي والدتي) إلى التدخل أيضاً لإعادة التوازن! ولكن الموقف يزداد تعقيداً مما يجعلنا أنا وزوجتي نعلن أن القضايا المعلقة بيننا هي من الأمور الداخلية وأننا نستطيع تصفية هذه المشاكل بعيداً عن أي تدخل خارجي!

إلا أن أغلب المشاكل السياسية في البيت ذات طابع اقتصادي نظراً لأن عائلتنا تنتمي إلى مجموعة عائلات “العالم الثالث” … وأن ظروفنا الاقتصادية تدفعنا أحياناً إلى طلب القروض الطويلة الأجل من العائلات الصديقة “المنتجة للنفط” وبما أن الزوجة لا تلتزم بخطط التنمية الخمسية التي أعتمدها بصفتي حاكم للبيت فإنني أضطر لاتخاذ إجراءات التقشف لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات ومحاربة التضخم في مصروف البيت بعد أن يتلاشى الاحتياطي العام في البنك بسبب التجاوزات الخطيرة للزوجة في إدارة الشؤون المالية للأسرة بأسلوب فوضوي غير مسؤول!

وبما أنني أفضل الديمقراطية في ممارسة هواياتي السياسية داخل البيت فإنني أعتمد أسلوب الحوار مع الزوجة وعندما نختلف حول قضية مصيرية نلجأ إلى استفتاء الأولاد الذين يشترطون الحصول على الهدايا المناسبة قبل الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء بغض النظر عن المصلحة العليا للبيت. وغالباً ما كنت أفوز بنسبة 99،99 بالمائة من الأصوات ولكن بعد أن أكون قد دفعت ثمن ذلك غالياً مما يجعل زوجتي تتهمني بالرشوة والفساد وتزوير نتائج الاستفتاء.

عبد الكريم بيروتي
من كتاب كلام نسوان

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.