الحب من أول “لايكه”

لم يعد عالم الإنترنت مجرّد فضاء افتراضي يتحاور الناس على صفحاته الاجتماعية، بل أصبح “الطريق السريع” إلى الحب والزواج عبر الحدود والقارات، بدليل أن ثلث عدد الزيجات التي تمّت في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الخمس الأخيرة كانت نتيجة التعارف والتلاقي “أونلاين” وصولاً إلى الزواج.

لكن العلاقات على الإنترنت لا تستجيب بالضرورة لخفقان القلوب، بل هي تتيح للرجل والمرأة دراسة مشروع الزواج باعتباره مشروعاً يخضع لحسابات الربح والخسارة، ويحكمه المنطق، أكثر مما تحكمه العواطف. إذ يدرس كل من الرجل والمرأة المعلومات التي يتبادلانها، ويأخذان وقتهما في التعامل مع الحقائق الواردة فيها، وصولاً إلى اتخاذ قرار مصيري بمرور الوقت، ليتحوّل الإنترنت من مجرد مساحة للقاء عاطفي عابر، إلى ميدان يتيح للجميع حرية اختيار الشريك. لكن الميزة الأهم في حرّية اختيار الشريك تتجسد في حرية الإنسان في أن يقرأ السيرة المعروضة على “النت” لشخص ما، فإن لم يجدها مغرية، فما عليه سوى أن يضغط “كليك”.. لينصرف إلى سيرة أخرى، وحياة أخرى، واختيار مختلف. عموماً، في البدء يكون الإعجاب، ثم يشرع الاثنان بالتراسل بلغة العيون، قبل أن تبدأ الرسائل المكتوبة والمواعيد المرسلة عبر الهاتف. لكن هذا بات تاريخاً، فالإعجاب لم يعد مجرّد نظرة خاطفة، بل من خلال قراءة سيرة مفصّلة، والتأمل في صورة قد تظهر جوانب وتخفي أخرى، كما أن التراسل يتم فوراً عبر الماسنجر، أو الإيميل، ويمكن أن يتم بالصورة المباشرة عبر “سكايب” أو عشرات برامج التواصل الإلكتروني المصوّر. وهكذا يكون بوسع الجانبين أن يستكشفا بعضهما بعضاً، حتى وإن كان كل منهما يعيش على بعد ألوف الكيلومترات. فالإنترنت تتيح للجانبين أن يحفظا كل المعلومات التي تبادلاها في ملفات خاصة يمكن العودة إليها عند الحاجة، وبهذا يكون “النت” أكثر صدقية من اللقاءات الكلاسيكية كما يرى البعض. ومع التطوّر المستمر في تقنيات الاتصال أصبحت هناك مواقع تعرض أيضاً خدمات إجراء عقود الزواج الرسمية.

لكن موقع “سايكولوجي توداي” البريطاني المتخصص بالعلاج النفسي وما يتعلق به، يضع العصيّ في دواليب العلاقات الإلكترونية مستنداً إلى أسباب منها، أن اختيارات الشريكين قد تربكها علاقة افتراضية غير واضحة المعالم، وتفتقر إلى خطة واضحة. كما أن القرار بشأن الشريك “المثالي” يبقى تحدياً صعباً عبر العالم الافتراضي الذي يسلكه الكثيرون لتجميل واقعهم وصورهم. وقد يتغيّر الناس بمرور الوقت، ولذا فإن من قرأت سيرته يوم السبت، ربما يقدم نفسه يوم الأحد بشكل مغاير، وهكذا فإن المواقع التي تتولى الاختيار قد تخطئ إلكترونياً في اختيار الشريك المناسب.

كما أن التواصل عبر الكمبيوتر يفتقد عنصراً حاسماً في الحياة، وهو اللقاء المباشر وجهاً لوجه، والذي يتيح للعيون أن تتبادل النظر فيجري التقييم قريباً من الحواس الحقيقية للإنسان، وهو ما يراه الكثيرون جزءاً مهماً من مقدّمات العلاقة الزوجية. ويرى الخبراء الاجتماعيون أنّ الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لم تضف للحب جديداً، ولكن ربما بات الحبّ أسرع، فبنقرة على “الماوس” يبحث المرء عن المزيد، وهذا ما قد يكون من أسباب فشل علاقات الحبّ الإلكترونية بسبب توافر البدائل الجاهزة والسريعة. ولكن بالرغم من هذه الحرية الزائدة في الاختيار، فإن الكثير من علاقات الحب التي وُلدت وتطوّرت عبر الإنترنت، ما تزال تحتفظ بحرارة صدقها ورومانسيتها. فالطرفان وضعا أوراقهما على الطاولة، وأعلنا بصراحة أنهما يبحثان عن علاقة جادة، فتحققت النهاية السعيدة.. مبروك!

بقلم: عبد الكريم بيروتي
كلام نسوان

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.