هل الفضاء الاحتفالي ممكن؟

• تثار على ألسنة المسرحيين الجدد وبعض الصحفيين غالبًا مصطلحات سمعوا عنها، ولم يقرؤها وتكون بالنسبة لهم إما نوع من الأحاجي من جهة ، أو شيء ناجز لا بديل عنه. ومنها قضية الاحتفالية التي لم يكن لسوء الفهم من مكان لو أن هذه التسمية بقية في محلها دون اقتباسها لعالم المسرح كمصطلح. أو لو أنها أفرزت بنجاح إلى أسلوب واضح المعالم في المسرح العربي. وهذا بطبيعة الحال ليس لوما ينطبق على أحد معين، وإنما هكذا تشاء الظروف المحيطة بواقع الثقافة المسرحية على وجه الخصوص، والثقافة بشكلها العام. فمن أين انطلقت التسمية يا ترى، وما واقعها في الحياة ؟ ومن ثمة في المسرح؟

إن الاحتفالية هي واحدة من مئات الظواهر المسرحية العربية، والعالمية الإنسانية .. والظاهرة نفسها قائمة، ولا تزال تمارس شعبياً، وفطرياً وهي كثيرة اجتماعياً، ودينياً، وكرنفالياً، وشبه مسرحياً مثل : احتفالية الزفاف، واحتفاليات الطقوس الدينية، احتفالية رأس السنة، واحتفالية الحلقة، والزار، والمولد .. إلخ .. لكن ما يخصنا أن المنظرين الذين كتبوا عنها أجادوا في التمعن فيها، والتبحر في أجوائها، وأبعادها، وتأثيراتها، ولكن علينا أن نرى لهم مسرحيات بنفس الطابع، فبعضهم ينظرّ ولكنه لا يطبّق ما ينظرّه على عمله المسرحي، وبخاصة كتابة النص .إن الفضاء الاحتفالي هو الرونق الذي تتوق له الذائقة العربية بواحدة من الظواهر المنتظرة … وفي الاحتفال ميزات : أهمها انتقال دور المؤدي إلى محتفل، ومشارك . بل ومحاور للمتفرج.

وبالتقابل، وهو العنصر الأهم في الاحتفالية .. يشارك المتفرج احتفالياً في العرض، ولا يؤدي، ولكنه يساعد على إحياء الحفل عندما يوصله المؤدي لحدود الممكن من خلال الرسالة التي جاءه بها . وإلا فهناك انفصام، ونشوز، ولا توافق، ولا تفرق الاحتفالية المسرحية الموجهة من قبل فنان مسرحي واعٍ، عن احتفالية جماهيرية فطرية تلعب فيها أهواء المتفرج، أكثر من أن يقودها الفنان المفكر برسالة نحو فكرته التي جاء بها، هذا باختصار وتركيز شديدين ما يمكن قوله وللتمثيل على ذلك: نجد علي عقلة عرسان وثق بكتابه ظواهر مسرحية عربية لكثير من المراجع المسرحية العربية الإسلامية ومنها ما يختص بالاحتفالية، اعتبر مرجعاً هاماً لكثير من المنظرين والمبدعين على حد سواء . وكتب عبد الفتاح قلعجي في إطار الإحتفالية أعمالاً إبداعياً منها العرس الحلبي، كذلك يمارس المبدع عبد الرحمن المناعي بغالب أعماله لتسجيل الاحتفالية في منطقة الخليج.

ودرس هيثم يحيى الخواجة خمسة ظواهر مسرحية في كتاب يصدر قريباً أهمها ظاهرة العرس والمولد وخميس المشايخ . وقدم عبد الرحمن بن زيدان نفس المنهج في كتابه قضايا التنظير للمسرح العربي من البداية إلى الامتداد . وبتواضع أشير إلى أنني حللت منذ عام 1988 رقصة العيالة في مجلة المأثورات الشعبية، حتى توسعت إلى فصل في كتاب واقع، وآفاق مسرح الإمارات .. وإبداعياً نهجت مسرحية أغاني للحب والعمل، ابتداءً من عنوانها للاحتفال المسرحي الفعلي، هذا على سبيل المثال لا الحصر فهناك الكثير من المنظرين، والمبدعين العرب ممن ساهموا بشكل فاعل بإغناء الظاهرة الاحتفالية في المسرح العربي.

فالمسرح العربي غزير بهذه الفعاليات، ومن معاصرينا من قام بالتنظير للاحتفالية، وكتب عنها الكثير . وبخاصة جماعة المسرح الاحتفالي … في المغرب العربي. وهم فريق نشأ من وحدة الهدف، والتوجه، وقاموا بفعاليات كثيرة . وعلى الرغم من الاختلافات البينة بين الأفراد، وذلك منطق التطور الجدلي . إلا أن كل توجه بمعزل عن الآخر يقود لمدخل مهم في فهم الاحتفالية.

بقلم د. فاروق أوهان

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.