ثقة في النفس أم نرجسية؟

• من الجيد أن يتحلى المرء بالثقة في نفسه، ثقة تمكنه من إبداء رأيه ومواجهة الصعوبات وفرض نفسه في المجتمع. فالثقة في النفس لا تحدد كيفية تعاملنا مع نفسنا فقط، إنما تحدد كيفية تعاملنا مع الآخر. فمنذ مرحلة الطفولة فالمراهقة إما أن يصبح الشخص انطوائيا داخل قوقعته الصغيرة يخاف من الظهور والخروج إلى العالم، وإما أن يكتسب الثقة في نفسه، ليصبح قادرا على مواجهة كافة التحديات سواء مع نفسه أو ما قد تفرضه الظروف. لكن، وكما أنه من الجيد أن يتحلى المرء بالثقة في النفس، إلا أن هذه الثقة قد تنعكس سلبيا عندما تزيد، لتصبح حبا للذات وغرورا أو ما يسمى “نرجسية”، وكما يقال إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده.

تعريف النرجسية:

يقصد بالنرجسية Narcissistic حب الذات الزائد، وهي إحدى سمات الشخصية التي توجد عند العديد من الأفراد لكن بدرجات مختلفة، فهناك من يحب نفسه بدرجة عادية وهو ما يعتبره البعض السر وراء تحلي الفرد بالثقة في النفس، وهناك من يحب نفسه بدرجة زائدة تكون واضحة منذ اللقاء الأول.

وترجع أصول كلمة نرجسية إلى أسطورة يونانية قديمة، تدور حول فتاة تدعى صدى ورجل يدعى نرجس. الفتاة كانت تعشق الفتى نرجس، ولشدة حبها له وهيامها به مرضت الفتاة وبدأت تسوء حالتها شيئا فشيئا، وهي متمسكة بحبه إلى أن فارقت الحياة. ولكن الإله حسب الأسطورة لم يترك الفتى دون عقاب، فكان عقابه أن يعشق نفسه بصورة مرضية، فكان نرجس يجلس أمام بركة من الماء يرى انعكاس صورته فيها، فظل يجلس أمام البركة لساعات طويلة ينظر إلى صورته بكل زهو وفخر، واستمر على هذا الحال حتى مرض نفسيا بسبب تعلقه الشديد وحبه لذاته؛ وما هي إلا فترة قصيرة حتى فقد عقله. وفي أحد خلواته مع نفسه حاول الإمساك بصورته في الماء وقفز إلى البركة، ولكنه غرق ومات. وظهرت في مكانه زهرة سميت على اسمه وهي زهرة النرجس.

الفرق بين الثقة في النفس والنرجسية

إن العالم يعرف المقصود بالثقة في النفس، حيث يعتبرها العديد من العلماء النفسيين حاجة إنسانية لا تقل أهمية عن عواطف الإنسان كالغضب والخوف والسعادة. لكن قليلا منهم يعرف معنى النرجسية، فهي عند المجتمع حب النفس الزائد، لكن عند علماء النفس هي حالة نفسية ومرضية.

أما عن الفرق بين الثقة في النفس والنرجسية، فيتجلى في أن الثقة في النفس تمثل موقفا مبنيا على الإنجازات التي أتقنها الشخص والقيم التي يتمسك بها والرعاية التي يظهرها لغيره، كما أن الشخص الواثق من نفسه يسعى للوصول إلى هدف لا يتحدث عن نفسه كثيرا، إنما يترك إنجازاته تتحدث عنه، بالإضافة إلى أنه يتقبل الملاحظات من الآخرين ويتعلم منها؛ على عكس الشخص النرجسي الذي لا يتقبل النقد أو النصيحة، بل إذا انتقده شخص ما يشعر بالغضب الشديد والكره تجاه ذلك الشخص، ويسعى إلى إهانته وإذلاله. كما أن الشخص النرجسي يستغرق في شئونه الداخلية بدرجة كبيرة، ويسعى إلى الشهرة، وينشغل باستغلال الآخرين وأوهام النجاح غير المحدود، فهو يشعر بالعظمة مصاحبة بإحساس النقص الشديد؛ لذلك تجده عدوانيا ويحاول الهيمنة دائما على الآخر. وبشكل عام نهج الأشخاص النرجسيون سياسة نفي الآخر (رفض آرائهم) وإرهابهم بالهجوم المضاد.

متى تتشكل الثقة بالنفس أو النرجسية عند الفرد؟

سواء الثقة في النفس أو النرجسية، فتتشكل عند الفرد منذ مرحلة الطفولة. فعندما يكيل الأهل مديحا لأطفالهم دون سبب، يفرطون في تدليلهم لتعويض غيابهم وإهمال تربيتهم، وهو ما يسبب اضطرابا في شخصية الطفل، فيصبح دون هوية، يحب ذاته بشكل مغلوط، ويظن أنه يكتسب ما ليس له، مما يؤثر عليه سلبيا؛ فيصبح مع الوقت مغرورا بنفسه إلى أن يصبح نرجسيا. على عكس الأطفال الذين يحظون بتربية صالحة ويلقون رعاية واستجابة من أهلهم يشعرونهم بأنهم فاعلون، وبأن وجودهم مهم في المجتمع، يثنون عليهم إذا ما قاموا بعمل حسن، ويشجعونهم على المضي قدما؛ وهو ما يدفعهم لأن يكبروا مع إحساس عميق وصحي من الثقة بالنفس.

فالأطفال الذين يحصلون على إطراءات حول مهارات وقدرات لا يكتسبونها، يولد لديهم إحساس بالفراغ وعدم الأمان وحب مزيف للذات، ويكونون أكثر عدوانية، بينما يتمتع الأطفال المقدرون على إنجازاتهم الحقيقة بالقدرة على تشكيل ثقة في النفس.

أما بالنسبة لمرحلة المراهقة فهنا إما أن يكتسب المراهق الثقة في نفسه، وإما أن يصبح مغرورا ونرجسيا، فخلال هذه الفترة يزداد حب الفتاة لنفسها أكثر من الذكور، فتجدها تكثر من استخدام المرآة واستخدام كلمة أنا بكثرة، وغيرها من كلمات الاعتزاز بالنفس ويمكن أن يظل هذا الحب للذات مسيطرا عليها إلى الأبد، ومن الممكن أن ينتهي بعد الزواج وإنجاب الأولاد بسبب الظروف والانشغالات العائلية.

بقلم سكينة التوزاني

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.