الإعلام و الصراع الطائفي

يُعد الصراع الطائفي في المنطقة العربية كالبركان الكامن اذا ما تم إيقاظه فمن الصعب إخماده أو السيطرة عليه ، من قال أن العالم العربي يشهد اليوم ارتفاعاً في نسبة هذا الصراع؟ إن هذا الصراع موجود ولم يختفِ.

تعتبر الدول العربية ذات تعدد مذهبي وطائفي وديني متنوع، الأمر الذي جعل عدداً من الدول الأجنبية تستغل هذا التنوع بالضرب على وتر الطائفية الحساس وبزرع الفتن والنزاعات فيما بينها لتحقق تلك الدول مصالحها وأهدافها. وتعد وسائل الإعلام واحدة من أبرز الوسائل المستخدمة لتغذية الصراع الطائفي في المنطقة العربية. فمع حدوث ثورة الاتصالات والبث عبر الأقمار الاصطناعية وتزايد عدد القنوات الفضائية العربية ، كان من المتأمل أن يشهد الإعلام العربي ثورة لتحسين دور الإعلام ومسؤوليته وخدماته ومستوى إنتاجه.

لكن يبدو أن نجاح بعض تلك الوسائل الإعلامية اقتصر على المجالات التكنولوجية وعلى استخدام أسلوب الإبهار والتقديم والبث المباشر وتغطية الأحداث لحظة وقوعها. فالإعلام وَقَع في فخ الانحياز وتحول إلى بوق لهذا الفريق أو ذاك ، وأداة لهذه الدولة أو تلك ، من خلال خطابات إعلامية موجهة إلى عامة الناس ، تدافع بها عن وجهة نظرها وللمشاركة في حملات ضد الطرف المعادي. وهذا ما أشار إليه الكاتب والصحفي المصري الراحل مصطفى أمين عندما وصف الصحافة الحرة بأن هي التي تقول للحاكم ما يريده الشعب ، وليس أن تقول للشعب ما يريده الحاكم”.

إن بعض وسائل الإعلام باتت في السنوات الأخيرة تستخدم أساليب عدة لشحذ فئة معينة ضد الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا قامت العديد من الدول بإطلاق قنوات فضائية مختصة في التحريض وإيقاد نار الفتنة والكراهية عبر منابرها لمهاجمة الفريق الآخر، لتوقد المشاعر ولتلعب على وتر الطائفة في محاولة لإلغاء انتماء الفرد إلى هوية الوطن ولكي يصبح الإنتماء للطائفة أو الدين فقط.

وفي حين تصف العديد من الوسائل الإعلامية نفسها بأنها مستقلة وحيادية ، إلا أنها دائماً ما تعمل على تطبيق أجندة مؤسسيها أو مموليها ، فالعديد من القنوات الفضائية تقوم على سبيل المثال بتوزيع انتقاداتها على أطراف بعينها فقط ، بينما تغض الطرف عن جهات أخرى ، حتى تحولت البرامج الحوارية عبر أثيرها إلى برامج “للردح” والصراخ والتراشق بالشتائم والتقليل من شأن الرأي الاخر ، إلى جانب تأجيج الخلافات والتهجم على الآخر ، إلى أن وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى حد ضرب الضيوف بعضهم بعضاً على الهواء مباشرةً.

لقد انحرفت بعض وسائل الإعلام العامة للأسف عن وظيفتها الأساسية كمرآة تعكس ما يحدث على أرض الواقع ، لتصبح بذلك شريكاً أساسياً في الصراع ، بدلاً من قيامها بنشر الحقائق والمعلومات الموثوق فيها، ما يحولها بالنتيجة إلى ألة لتزييف الوقائع وخداع الناس واستغلالهم ، خاصة مع انتشار استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة.

وعلى الرغم من إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي تلك إلا أن البعض قد استغلها أيضاً لتحقيق مآرب خاصة في ظل مساحة الحرية الممنوحة للجميع ، وذلك من خلال فتح صفحات متخصصة في نشر خطابات لتحريض فئة على أخرى تذكي بها الفتنة الطائفية والدينية مما يزيد من مستوى الحقد والكراهية داخل المجتمع الواحد ، ولتظهر في الوقت نفسه حجم الأمراض الفكرية المستشرية في العالم العربي متمثلة في غياب الآداب الأخلاقية ، وعدم احترام رأي الآخر وفكره ، فيصبح التهجم والشتم والتكفير سيد الموقف.

وهنا تستحضرني مقولة للناشط الإجتماعي الأمريكي الراحل مالكوم إكس يصف فيها وسائل الإعلام قائلاً “إنها الكيان الأقوى على وجه الأرض ، فهي قادرة على أن تجعل البريء مذنباً والمذنب بريئاً ، وهذا هو مكمن قوتها ، لأنها تتحكم في عقول الناس.”

بواسطة نهى النيرب

كاتبة ومؤلفة عربية مقيمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية