التأطير وخطف العقول العربية

• لعب جوزيف غوبلز ، وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر ، دوراً مهماً في الترويج للفكر النازي لدى الشعب الألماني بطريقة ذكية أسميت بـ “البروباغاندا”. وكان غوبلز قبيل انتحاره في الفصل الأخير من الحرب العالمية الثانية ، قد عينه أدولف هتلر مستشار ألمانيا كما اتّضح في وصية هتلر الخطيّة ، إلا أن الحلفاء لم يعترفوا بوصايته بعد سقوط الرايخ الثالث. غوبلز ، الذي كان أحد المقربين من هتلر ، يعد أسطورة في مجال الحرب النفسية ، وأحد أبرز من وظفوا واستثمروا وسائل الإعلام في هذه الحرب حيث صور أدولف هتلر للألمان على أنه المنقذ لهم ولألمانيا.

أصبحت نظرية غوبلز فيما بعد وسيلة مهمة في تمرير السياسات تُستخدم إعلامياً للسيطرة على العقول ولتوجيه الرأي العام من خلال تأطير الخيارات مسبقاً. فنظرية التأطير تعني باختصار فرض خيارات محددة ضمن إطار معين لإرغام العقل على القبول بأحدها ، وهنا يمكننا أن نذهب بالقول ونعتبر ذلك توصيفاً دقيقاً للوضع الجيوسياسي الراهن في منطقة الشرق الأوسط ، والذي لا يرتكز على الوسطية بل ينحاز إما إلى هذا الطرف أو ذاك.

وخير مثال على نظرية التأطير نستمدها من ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ الثالثة عام 2003 ، وبالتحديد من معركة المطار التي قاﻣﺖ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺑﺘﻌﺒﺌﺔ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃنها ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﺔ ﺗﺘﺮﻗﺐ تلك المعركة ، إلى أن ﺳﻘﻂ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ فانتاب ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ شعور بأن ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ كله قد ﺳﻘﻂ ، فماتت ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ على الرغم من ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ.

هذا وﺗﻠﻌﺐ العديد من ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ حالياً اللعبة نفسها بأبواقها المستشرية ﻓﻲ المجتمعات العربية التي أنهكها الجهل والعصبية ﻭﺇﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻮﻋﻲ الثقافي. فأسلوب التأطير الذي تنتهجه يُعد واحداً ﻣﻦ أساليب عدة في ترسانة تلك الوسائل الإعلامية الهادفة إلى تسيير المواطن نحو ما تراه هي صحيحاً من وجهة نظرها المسيسة أو المأجورة ، إما بفرض ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﻫﻤﻴﺔ تارة أو مبالغ فيها تارة أخرى ﺗﻘﻴﺪ ﺗﻔﻜﻴﺮ المتلقي و المشاهد.

إنه لحري بكل إنسان نزيه مترفع وواع أن لا يترك نفسه مقتاداً كالأنعام ، فأحد حقوق الإنسان المدرك تجاه نفسه أن يمحص ويحلل ما يصله قبل “ابتلاعه” مغلفاً وموضباً دون مضغه وتقليبه يمنة ويساراً ، وإلا فقد يسلب هذا الإنسان إرادته وقراره وقناعته ، ومن ثم يتم تقييده بأفكار ليس مؤيدياً لها او مقتنعاً بها. وعليه فإنه كلّما ﺯﺍﺩ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ وارتقى بثقافته ، ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ بنفسه ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﻮﺩ التي تطوعها وسائل الإعلام ﻭﺍﻟﺴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺒﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ لاقتياد الفرد ﺇﻟﻰ ما يريدونه هم وليس ﺇﻟﻰ ﻣﺎ هو في مصلحة ذلك الفرد. فلنتمهل إزاء ما يصلنا من أخبار ، ولنتحقق منها ونتأمل ما يجري بحيادية بعيداً عن التشدد والعصبية ، فنضع بذلك الأمور في نصابها الصحيح كيلا تشل قدرتنا على التفكير والإستدلال.

إن ظاهرة غوبلز الذي حمل شعار “اكذب حتى يصدقك الناس” وامتهن الكذب الممنهج للترويج للنازية ولتحطيم خصومها ، أكدت أن من يمتلك وسائل الإعلام يمتلك القول الفصل في الحروب الباردة والساخنة. وهنا أذكّر بأن غوبلز هو من قال: كلّما سمعت بكلمة مثقف تحسست مسدسي ، لقد كان غوبلز يدرك أن ثقافة الإنسان هي الترياق الحقيقي لسمومه الإعلامية.

بقلم ماغي أيوب

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.