خذلان !

لم أعرف أن الحياة ستأخذني بعيداً عنكم ، بعيداً عن كل شيء ، فعلاً الحياة أخذتني من كل شيء حتى مشاعري أصبحت متبلدة ، لا أعرف هل اعتدت هذا المشهد اليومي المتكرر من القتل ، أم أنني يأستُ من وجود أي حل. ‎ أقل ما يمكن وصفه في المجازر التي ترُتكب كل يوم في حق شعوب بريئة مما يحاك ضدها أنها قد قتلتني في داخلي.

 ‎كيف لي أن أنسى أني يوماً كنت من بين من عانوا؟
كيف لي أن أنسى أني كنت انتظر الموت حالي كسائر الجميع؟
كيف لي ان أنسى أني كنت وحيدة؟

نعم وحيدة. تكون وحيداً أنت وصوت دعاءك يهمس وصوت الطيران يطن في أذنيك وتناجي ربك متضرعا بألا تكون التالي. ‎لا أعلم إذا كان جلد الذات يشفي شيئاً ، كيف لي أن أنسى لحظة يكون أحد المقربين إليك فيها خبراً عاجلاً على التلفاز. كيف أنسى من قـُتلوا بدم بارد وهم نيام حالهم كسائر من قتلوا (استشهدوا) من الأبرياء؟

خذلتني الحياة ، أنا لم أنسَ حقاً لكن ربما فقدتُ الأمل من الحديث والاستنجاد ، وهل يمكن لأحد أن يسمع صوت الأبرياء ، لا. كيف لقاتليك أن يسمعوا صوت قتلهم لك. ‎فإذا عشت تحت وطأة الحرب أنت وحدك فقط من سيعرف معنى ما يقاسيه جميع من يستنجدون بهذا العالم الميت أخلاقياً وانسانياً ، ستعرف معنى أن تعيش دون ماء وكهرباء أو غذاء حتى ، ودون وسيلة اتصال بالعالم الخارجي. ستعرف معنى البرد القارس الذي ينهش أجساد الأبرياء ، ستعرف معنى أن تكون مشرداً من منزلك ، هارباً من قصف مرتقب أو اجتياح لمنطقتك ، ستعرف ما معنى بكاء أم بحرقة وهي تركض وسط الطرقات تسأل عن ابنها أما زال حياً أم أصبح في عداد الموتى؟

إذا عشت الحرب ستعرف معنى الخروج من منزلك للحصول على قوتك لترى الآخرين قد خرجوا تاركين منازلهم هرباً مما أصاب غيرهم لعلهم ينجون من هذه الحرب المسعورة. ‎الحرب كالجراد تأتي لتأكل الأرض بما فيها وتدمر كل شيء أمامها بكل ما أوتيت من قوة ، تقتل الذكريات الجميلة التي قاسمتها في وطنك مع من تحب. فالحرب لا تنتهي بمجرد الإعلان عن توصل إلى اتفاق لإنهائها ، الحرب تبقي آثارها عالقة في الذاكرة أمداً طويلاً. ‎لم تسعفنى الكلمات حقاً ، فأفضل الأوقات يكون الصمت فيه معبراً أكثر ، لكن في بعض الأحيان عليك أن تلوم نفسك بصوتٍ عالٍ … الرحمة لجميع من قتلوا ولمن يـُـقتلون كل يوم في سوريا وفلسطين والعراق وليبيا واليمن ولجميع الأبرياء في هذا العالم …

بواسطة نهى النيرب

كاتبة ومؤلفة عربية مقيمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية