إيران هي رمانة الميزان

بقلم | زياد السلوادي

منذ الفتح الإسلامي لبلاد فارس والى اليوم لم تكن إيران عدواً للعرب ، رغم أن كثيراً من الأنظمة العربية اليوم يعملون على شيطنتها وتصويرها في إعلامهم كعدو يتربص بالعرب الدوائر ، فتارة ينتقدون وجودها في العراق وتارة ينتقدون دعمها لقوى المقاومة ، وتارة أخرى يتهمونها بالعمل على نشر التشيع في أوساط السنة. وبالرجوع الى تاريخ ما قبل الثورة الإيرانية أي الى أيام نظام الشاه نجد أن إيران كانت على علاقة جيدة بأمريكا وبإسرائيل ، وكانت تهيمن على جميع الأنظمة العربية في منطقة الخليج الى الدرجة التي كانت دول الخليج تتوجس خيفة من وصف الخليج بأنه ( الخليج العربي ) مخافة أن تغضب إيران التي كانت تسميه ( الخليج الفارسي ) ، وحتى العراق الذي كان قوياً في ذلك الوقت اضطر لأن يوقع مع إيران اتفاقية شط العرب بشروط إيران سنة 1975 ، وقد وقعها – على مضض – عن الجانب العراقي صدام حسين حين كان نائباً للرئيس أحمد حسن البكر.

وحين قامت الثورة الإيرانية 1979 وأسفرت نتائجها عن غير ما كانت أمريكا والغرب تتوقع ، حيث قام الطلاب الإيرانيون بالسيطرة على سفارة الكيان الصهيوني وإحراق العلم الإسرائيلي ورفع علم فلسطين مكانه وتغيير اسم السفارة الى ( سفارة فلسطين ) ، ثم قيامهم باحتلال السفارة الأمريكية مما اضطر أمريكا الى محاولة إنقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين في السفارة بعملية عسكرية فاشلة بامتياز حيث سقطت طائرات الهليوكبتر بفعل العواصف الرملية فوق صحراء طبس فأعلنت أمريكا فشل العملية قبل أن تعلم السلطات الإيرانية بوقوعها.

لم يكن بد والحال كذلك إلا أن توعز أمريكا بطريقة أو بأخرى لصدام حسين الذي كان قد تولى الحكم قبل ثورة إيران بقليل لأن يغتنم (فرصة) سانحة من ضعف إيران العسكري بعد أن أعدمت الثورة كبار الجنرالات ورجالات النظام السابق الفاسدين ، بحجة تحرير (عربستان) أو الأهواز من (الاحتلال الفارسي المجوسي !) ، فقام النظام العراقي بمسرحية هزيلة اتهم فيها شخصاً إيرانياً يدعى (غلام) بتفجير قنبلة يدوية في بغداد !! وقام صدام على الفور بإعلان إلغاء اتفاقية شط العرب وأرسل دباباته لاحتلال جزء من شط العرب، وفي الوقت الذي كانت الدبابات تحمل على ناقلاتها الى الجبهة كان نظام الثورة الإيرانية يدعو العراق الى العودة الى صوابه وأن لا داعي لمثل هذه الحرب ، ولكن النظام العراقي لم يتوقف بخاصة وأنه وجد التشجيع من دول الخليج التي كانت خائفة من تصدير الثورة الإيرانية الى دولها ، فقامت بمد العراق بالمساعدات المالية السخية وتحملت تكاليف الحرب . وما كان هذا الأمر ليحدث إلا بمباركة أمريكية . وتولى حرس الثورة الذي كان قد أنشئ بديلا للجيش الإيراني بالدفاع ضد الهجوم العراقي الشرس ، ودامت الحرب ثماني سنوات عجاف أكلت فيها الأخضر واليابس وأنهكت إيران والعراق معاً، وكان كلما خبت نار الحرب في أحد الطرفين أوقدتها أمريكا بمد العراق بالسلاح ومد إيران أيضاً من وراء ستار عرف آنذاك بفضيحة (إيران غيت). وما أن توقفت الحرب حتى انقلب العراق على الكويت التي كانت تدعمه في حربه بحجة أنها كانت تسرق النفط من حقل الرميلة المشترك بين العراق والكويت وطالبها بالتعويض بمبلغ عشرة مليارات دولار ، ولم يعر التفاتاً للمبالغ التي أنفقتها الكويت على حربه مع إيران بحجة أن الدم أغلى من النفط، ووافقت الكويت على دفع تسعة مليارات فقط لكي تحفظ ماء وجهها بعدم الرضوخ للإملاءات العراقية!! وتعهد الملك فهد ملك السعودية آنذاك بدفع المليار المختلف بشأنه ، ولكن العراق كان قد عقد عزمه على غزو الكويت بعد أن وصلته إشارة من أمريكا عن طريق سفيرتها في بغداد تقول إن أمريكا لا شأن لها في علاقات العراق مع دول الجوار ومنها الكويت.

وقع صدام في الفخ ، وقام بغزو الكويت في الثاني من أغسطس سنة 1990 ، ورغم أنه أعلن أنه لا ينتوي غزو السعودية أو أية دولة خليجية أخرى إلا أن الملك فهد استنجد بأمريكا التي سارعت بإرسال جيشها الى جزيرة العرب لتقطف ثمار عقد من الزمن خططت له بعناية فائقة. ومن عجيب سياسة صدام الارتجالية أنه حين احتل الكويت قام بإعادة الأراضي الإيرانية التي احتلها في حرب السنوات الثماني !! تلك هي آفة الدكتاتوريات ، فماذا لو كان صدام قد رحب بثورة إيران وتحالف مع الإيرانيين بدلاً من محاربتهم ، بخاصة وأن شاه إيران كان عدواً له فجاء هؤلاء وأنهوا نظام الشاه ، لقد كان من الممكن أن تصبح إيران عمقاً استراتيجياً للعراق وكان يمكن لحلف بين البلدين أن يحافظ على مصالحهما ومصالح المنطقة بأسرها وأن يبعد شبح الغول الأمريكية عن المنطقة ، ولكنه أفق السياسات الضيقة والارتجالية التي يتمتع بها كل دكتاتور.

وجاء الدور الأمريكي الذي انتظره واضعو السياسة الأمريكية الخارجية ، فشكلت أمريكا تحالفاً من بضع وثلاثين دولة وهاجمت القوات العراقية التي كانت تحتل العراق واستعانت في حربها البرية بالجيش المصري والسوري بعد أن مهدت لذلك بتدمير الجيش العراقي من الجو. وتحررت الكويت وزالت المخاوف الخليجية من العراق ، ووطدت أمريكا قواعدها التي انتشرت في دول الخليج الى اليوم . وعاشوا في ثبات ونبات وخلفوا بنين وبنات !!

أما إيران فانكفأت تلعق جراحها وتبني مؤسساتها وجيشها رغم الحصار الاقتصادي الخانق الذي فرضته عليها أمريكا منذ نجاح الثورة ، فأسست جيشاً قوياً وطورت أسلحة صاروخية وأقامت نظاماً قوياً ولا زالت على مبدئها بأن أمريكا وإسرائيل هما العدوان اللدودان للإسلام والمسلمين ، ومن هذا المنطلق دعمت قوى الممانعة والمقاومة بالمال والسلاح فكان من الطبيعي أن تصبح لها يد خارجية قوية في سوريا ولبنان وفلسطين واليمن ، وكان من الطبيعي أن تمكر بها أمريكا ومن دار في فلكها من الأنظمة العربية، فيتهموها بالسيطرة على أربع عواصم عربية وبالتدخل في شئونها وبأنها عازمة على إنتاج قنبلة نووية تهدد وجودهم وبأنها تعمل على نشر التشيع بين أهل السنة متناسين أن هناك ملايين من الإيرانيين أنفسهم هم من أهل السنة فكان الأولى أن يتم تشييعهم قبل نشر المذهب الشيعي في البلاد الأخرى ولكن هذا لم يحدث ، وبأنها تدعم النظام السوري ( الذي يقتل شعبه) متناسين أن أمريكا وبعض دول الخليج هي التي أدخلت المرتزقة الى سوريا فأجهضت ثورة الشعب السوري في مهدها ولا زالت تحاول هزيمة الجيش العربي السوري لإخراجه من معادلة الصراع مع الصهاينة، أما الخوف النووي المزعوم فقد وأدته إيران بالاتفاق الذي عقدته من دول الخمسة زائد واحد ، فلم يبق من حجة للأنظمة الخائبة سوى دعم إيران لحلفائها من المقاومة وسيطرتها على العراق ، ولم يسأل أحدهم نفسه أين كان العرب حين وصل العراق الى ما وصل إليه بعد أن احتلته أمريكا وحلت جيشه القوي وقضت على نظامه السابق ، بل لم يسألوا أنفسهم من أين دخلت القوات الأمريكية الى العراق حين رفضت تركيا السماح لها باستخدام أراضيها ، ألم تدخل من الكويت؟ فإذا كان الأمر كذلك فلماذا ترك العرب العراق دون أن يملأوا الفراغ الذي حدث بعد انسحاب القوات الأمريكية منه ولم يجدوا غير لوم إيران ؟

أما اليوم فقد أصبحت إيران شوكة مؤلمة في الحلق الأمريكي والصهيوني ، وما يخطط لها الآن في مطابخهم هو الحرب التي بدأوها فعلا بقيام ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران رغم مخالفة مجلس الأمن ورغم مخالفة الدول الخمس الأخرى الموقعة عليه ومنها ثلاث من حلفاء أمريكا العتاة.

اليوم تمتاز المواقف ، ويصبح في العلن ما كان بالأمس في الخفاء ، فها هي السعودية توافق على صفقة القرن التي تلغي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتخرج القدس من المعادلة لصالح الكيان الصهيوني ، وها هي البحرين تعلن أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ، فلم يبق في ملعب المقاومة إلا سوريا وحزب الله وحماس ، فإذا ضربت إِيران وتم تحجيمها خبت المقاومة وانتهت فأصبح تطبيق صفقة القرن على أرض الواقع أمراً سهلاً. وعلى ما يبدو فقد بدأ العد التنازلي لساعة الصفر ، ولكن ليس من يحدد بداية الحرب هو من يحدد نهايتها. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. فلننتظر ونرَ.

المصدر

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.