الخطيئة الأولى ليست لآدم

دون التعمق في النظريات الدينية اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية حول مسألة الخطيئة الأولى أو الخطيئة الأصلية ، وهي نظريات متوفرة للباحث عنها على الإنترنت ، وتناولتها كتب وعظات عدة ،  ودون الخوض في التفاسير المختلفة للخطيئة الأولى ، فقد تبين لي بما لا يرقى إلى الشك ، وبحسبة منطقية بسيطة ، تبين أن “الخطيئة الأولى” بمفهومها التقليدي لم تكن لسيدنا آدم عليه السلام كما يظن أغلب الناس حسب ما نُقل إليهم أو تعلّموه !

في صغري لطالما كنت كثير السؤال ولا أزال. أحب الاستفسار  ، وأكثر من التحليل والتفكّر في أمور يعتبرها البعض بديهية أو مسلّمات قد لا تحتاج إلى تدقيق أو إعادة نظر  ، لأنها كما يُقال واضحة. وهنا يكمن الخطأ الفادح بالنسبة لي ، فعندما أقبل بأي أمر على أنه حقيقة دون إعمال العقل فيه، ودون تدوير تلك “الحقيقة” في الدماغ أولاً لتحليلها وتبيانها قبل القبول بها كحقيقة أكون قد أخطأت في حق نفسي أولاً ، وفي حق من سأنقل إليه كلامي ثانياً.

إن هذا المنهج التحليلي المقدس لم يأتِ من مدرسة أو منبر أو وسيلة إعلامية ، على الرغم من أهمية تلك المؤسسات في رسم وتشكيل وتنشئة فكر المواطن ووعيه ، بل مصدره إيمان راسخ بأن المنهج التحليلي يُبنى على الفضول وحب المعرفة ، التي هي سمة يمن بها الله سبحانه وتعالى على الإنسان. فأجد نفسي أسعى نحو المعرفة بواعز داخلي ، و ألقن نفسي بنفسي بما أستطيع ، وأدوّر عن الحقائق للتأكد من سلامتها، ثم أجد نفسي أحياناً ، ودون ملل أو كلل ، أطيل التفكير  في شؤون تثير فضولي، أرد خلالها المستعصي منها إلى جذوره الأولى ، وذلك حباً في العلم والمعرفة وإيجاد الحلول المعقولة.

وهنا أقر بأن السبب وراء كتابة هذه الكلمات التي كانت تختمر في ذهني منذ فترة ليس لاستعراض أسلوب ما في التفكير أو لنشر منهجية معينة ، بل كان السبب هو الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية حالياً من احتجاجات وأعمال عنف ، وعمليات نهب وسلب ، و فرض حظر التجول في العديد من المدن هناك ، نتيجة لمقتل مواطن أمريكي أفريقي يُدعى جورج لويد ، على يد … أو بالأحرى ، تحت ركبة رجل شرطة. 

والآن قد تسألني ما العلاقة بين ما يحدث في أمريكا و”الخطيئة الأولى”؟ 

في حين يُعتقد بأن “الخطيئة الأولى أو الأصلية” كانت مخالفة آدم لربه الذي نهاه عن الاقتراب من الشجرة وأكل ثمارها ، إلا أنني لا أصف ذلك بالـ “الخطيئة” وإنما هي في الواقع معصية لأمر الله. وبعيداً عن الشروحات الكثيرة في هذه المسائل ، فإنني أعتبر أن “الخطيئة الأولى” وقعت قبل سيدنا آدم ، وأتت بعد قرار الله سبحانه وتعالى بخلق سيدنا آدم عليه السلام ،  وتحديداً حين رفض إبليس ، الملاك آنذاك ، السجود لآدم في التفسير الإسلامي واليهودي. أو لتكبره وغروره ورغبته الداخلية في الارتقاء إلى مقام مماثل لله سبحانه وتعالى ، بحسب التفسير  المسيحي. 

بغض النظر عن تلك التفسيرات أو سواها ، يتضح أن “التكبر” و”الغرور” والزهو بالنفس ، والأفضلية العرقية ، أو بالأحرى الأفضلية التكوينية إذا صح التعبير  في حالة إبليس وسيدنا آدم عليه السلام ، هي من السمات الواضحة للعنصرية. وهنا تكون الخطيئة الأولى قد تجسدت واقعاً ، وتم اقترافها بناءً على السمات التي أظهرها إبليس “الملاك” بتصرفه قبل سقوطه أو تأجيل محاكمته … إلى حين.

فالخطيئة الأولى تستند إلى عنصرية إبليس في اعتبار نفسه مخلوقاً من نار ، لا يسجد لمن هو أدنى منه مستوى ، أو لتعاليه برفض الأمر الإلهي والتمرد عليه ، وغروره وغيرته من الله سبحانه تعالى ، وشعوره بالـ “عليوية” ، ما أجج رغبته في أن يكون في مقام خالقه عز وجل. 

إن العنصرية ، التي مثلها إبليس بتكبره وغروره ، واعتداده بنفسه كانت هي “الخطيئة الأولى” التي سبقت معصية سيدنا آدم عليه السلام لأمر ربه سبحانه وتعالى. هذه العنصرية التي اعتبر فيها إبليس نفسه أفضل من سواه من بقية خلق الله ، لا تزال للأسف متأصلة في نفسيات العديد من البشر حتى هذا اليوم ، لكنها قد تأخذ شكلاً مختلفة حيناً أو إسماً مختلفاً حيناً آخر، لكنها تبقى عنصرية في أساسها وتكوينها … كما جسدها إبليس “الملاك الساقط” بعنجهيته وتكبره وغلوه في إعلاء قدره وشأنه. إنها تلك العنصرية التي تقف وراء مصائب البشرية ، ومصائب أولئك الذين يصغون إلى وسوسة الملاك الساقط دون إعمال عقولهم ، وتعطيل فضولهم بالاعتماد على تناول “المعرفة الجاهزة” التي تُقدم إليهم على ملعقة. 

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com