المرأة ، يخافون منها لا عليها

كنت أقرأ رواية للكاتبة شيرلي سترايد بعنوان (WILD) وهي صاحبة المبيعات القياسية لعام 2012 ، والتي صورت كفيلم سينمائي عرض عام 2014 ، وهى رواية تسرد فيها الكاتبة قصة رحلتها التي قطعت خلالها مسافة 1100 ميل بمفردها سيرا على الأقدام بداية من سواحل المحيط الهادئ مرورا بصحراء موهافي بكاليفورنيا ، وصولاً إلى غابات واشنطن عام 1995.

الكاتبة سترايد كانت تبحث عن طريق للعودة إلى ذاتها، والتخلص من حالة الإدمان للهروين والجنس والحالة المروعة التي وصلت إليها بعد وفاة والدتها بمرض السرطان ، واتخذت هذا القرار الذي كان نابعاً من داخلها لكي تتخلص من كل مشاكلها وتصبح الفتاة التي كانت تتمنى والدتها دائما أن تكون.

عندما أخذت أقرأ هذه الرواية ، جال في خاطرى العديد من الأسئلة ، ليس عن الرواية فحسب أو عن قرار الكاتبة وشجاعتها في هذا القرار الذي اتخذته ، بل بت أسأل نفسى هل بمقدورى أن اتخذ قراراً كهذا أو قراراً يشابهه بذات الصعوبة.

بدأت بالتردد عن إيجاد الإجابة الشافية عن هذا السؤال ، أخذت الأفكار تتقاذفنى من كل صوبٍ واتجاه ، ورجعت إلى جوهر أساسي لسؤال عن القرار والمصير ، أخذت أفكر حول أصول المجتمعات التي تربيت بها وثقافة ذلك المجتمع ، توصلت إلى أننا تربينا على ثقافة منتشرة في كل مجتمعاتنا العربية هي ثقافة الخوف.

خطر في بالي أن أتطرق إلى معاناة كل امرأة أو كل أنثى في مجتمعاتنا التي ما زال بطل حياتها هو الخوف ، أغلب مجتمعاتنا العربية ترسخ ثقافة الخوف في المرأة ، لتخضع كل أفعالها وسلوكياتها وحتى أفكارها تحت دائرة الخوف ، لتصبح واقعة تحت وطئة الخوف من الأوهام والخرافات والعادات والتقاليد البالية التي تعشعش في فكر المجتمع .

فالكل يحاول فرض وصايته عليها وإرجاعها إلى ثقافة الخوف ، فهناك الفرق بين المجتمعات التي ربت أبنائها وبناتها على ثقافة الخوف ، ومجتمعات ربتهم على أن يقدموا على ما يريدون دون تردد أو خوف ، الفرق  أنك تتخذ القرار وتتجه نحوه بخطوة حتى لو كانت تلك الخطوة فيها مجازفة في حياتك لتقدم بها دون أن يعترضك أحد ، أما في مجتمعاتنا العربية فسيعترضك الأهل والأصدقاء … حتى لو وصلت إلى درجة كبيرة من العناد والإصرار على ما تريد ، إلا أنه ستقف بوجهك تلك الأوهام والعادات والتقاليد كالجدار الحديدي والاسمنتى ، فالكل يريد التحكم بك والسيطرة عليك ، يريد اقصائك وكسرك لا خوفاً عليك بل خوفاً منك. فنشأت أجيال تخاف من النور أكثر من العتمة ، ومن العيب أكثر من الحرام ، فورّثت تلك الأفكار لأجيال تقوم بما لا تريد ولا تعرف ما تريد.

ودائما تخضع المرأة في المجتمعات العربية المتأثرة بثقافة الخوف إلى ضغوط نفسية ، تؤثر على حياتها وعلى استيعاب قدراتها وقيمتها في المجتمع ، مما يأثر لديها القدرة في اتخاذ القرار. وكل ذلك نتيجة للمفهوم المنتقص لدورها في المجتمع ، الكل يكون كالرقيب على أفعالها ، فكل أمر تقدم عليه أو فعل تقوم به أو فكرة تختارها المرأة تخضع بصورة سريعة للتقزيم وللتقليل من شأنها ومن ثم يزرعون بذور الخوف منها وفيها  ، بسبب تلك المفاهيم التي رسختها العادات والتقاليد البالية. فغالباً ما تنشأ المرأة منذ الصغر على الخوف من جسدها وفكرها ، وكلُ ذلك نتيجة للأفكار البالية ، مما يؤدي إلى تفكيرها السلبي في ذاتها ، فتشعر بالخوف من اي فكرة لمواجهة أي جديد أو أي مجهول تلقاه.

فالمجتمعات تربي المرأة  على كونها كائن ضعيف مغلوب على أمرها ، وغير قادرة على اتخاذ قرارها بنفسها ، فيصبحون هم من يتخذون القرار نيابة عنها بدأً من تخصصها الدراسي ، إلى السماح لها بالسفر أم من عدمه ، أو بالتعبير عن رأيها أم لا، و إلى اختيارها لشريك حياتها … ولكن ما يزيد من المأساة هو عندما تتفق العديد من النساء أو الإناث مع هذه الفكرة فيصبحن مجحفات في حق بعضهن بعضاً. هكذا فإن المرأة تعيش عمراً مليئاً بالخوف ، لا تدري كيف عليها أن تكسر ذاك الحاجز…

بواسطة نهى النيرب

كاتبة ومؤلفة عربية مقيمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية