فيلم واقع الإنتخابات الأمريكية

راديو بيتنا – القاهرة:

بشكل ما ، صار الرئيس الأمريكي ، قبل ١١ يوماً فقط من الانتخابات ، معرضاً لخسارتها، بسبب فضيحة جنسية تناقلتها وسائل الإعلام عن تحرشه بفتاة كانت تزور البيت الأبيض. وهكذا قام فريق الرئيس بالإتصال بمستر “فيكس إت fix-it ” كونارد بين ، الذي أدى دوره روبرت دي نيرو، ليحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مستر بين قرر أن الحل الوحيد للتغطية على هذه الفضيحة هو أن تدخل أمريكا الحرب! بالطبع هو يقصد حرباً وهمية لمدة ١١ يوماً فقط يتم تناقلها من خلال وسائل الإعلام الأمريكية ، ويجب أن يخرج الرئيس منها بطلاً، بصورة ترفع من أسهمه في الانتخابات القادمة. هكذا يبدأ فيلم wag the dog الذي أنتج عام ١٩٩٧، وقام ببطولته داستن هوفمان وروبرت دي نيرو. ويقرر مستر بين أن الحرب ستكون ضد ألبانيا!

– لماذا ألبانيا؟
يجيب: لماذا ليست ألبانيا؟! ماذا يعرف الأمريكان عن ألبانيا؟
– لا شيء
– بالضبط
– لكن ماذا فعل الألبان ضدنا؟
– وماذا فعلوا لنا؟

ويذهب مستر بين مباشرة إلى منتج الأفلام الهوليودي الشهير، ستانلي موتس، والذي قام بدوره داستن هوفمان، ويبدأ المنتج العبقري في فبركة حرب وهمية على الواقع ضد ألبانيا، التي يصرخ مسؤولوها كل يوم أنهم لم يفعلوا شيئاً، لكن أحداً في الولايا المتحدة لا يهتم … المهم أن يكسب الرئيس في الانتخابات القادمة بأي شكل … وأي أمر آخر يمكن إصلاحه فيما بعد.

في الفيلم سترى كيف يتم صناعة أخبار وهمية بحرفية شديدة، مثلاً: يتم عمل فيلم في ستوديوهات هوليوود عن إنقاذ فتاة ألبانية من العصابات الإرهابية هناك، وكيف يتم خداع الشعب بجندي مختطف “خلف خطوط العدو” وكيف يتم وضع أغنية جديدة في أرشيف الكونجرس الموسيقي، فبدو كأنها أغنية أنتجت عام ١٩٣٠ لتناسب حدث الاختطاف، وكيف استطاع منتج الأفلام العبقري أن يجعل الشعب الأمريكي كله يكره ألبانيا ويعتقد أن هناك حرباً تدور بالفعل بينما شيئاً من هذا لا يحدث إلا في وسائل الإعلام.

225px-Wag_The_Dog_Posterلماذا نتحدث عن هذا الفيلم الآن؟!
لأن ما دار حول جذب انتباه المسلمين للفيلم المسيء للنبي في هذا التوقيت تحديداً، قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية، على الرغم من أن الفيلم موجود منذ حوالي شهرين على اليوتيوب، وهذا الإصرار الشديد على اقتحام السفارات الأمريكية، ورفع رايات جهادية عليها، ليتم نقل هذه الصورة للشعب الأمريكي قبل أن يدلي بصوته، فإن هذا كله يشبه بالضبط ما دار في أحداث هذا الفيلم. حرب وهمية تمت صناعتها وشعب كامل تم خلق كراهية ضده، حتى يكسب الرئيس الأمريكي الانتخابات. طبعاً لا يعني هذا أن أوباما قد دبرها هذه المرة، لكن قد تكون دُبرت ضده … في النهاية هناك من يتحرك ليحقق مكسباً في الانتخابات.

أثناء مشاهدتي للفيلم لفت انتباهي بشدة نقطتان:
أولاً: هناك مشهد في الفيلم لجمهور مباراة كلة سلة في مدرسة ثانوية وهم يلقون أحذيتهم القديمة على أرضية الملعب للتعبير عن تعاطفهم مع الجندي المختطف خلف خطوط العدو (استطاع المنتج ستانلي موتس أن يجعل إلقاء الأحذية القديمة يرمز عند الناس بالتعاطف مع الحندي المختطف واستخدم أغنية جديدة ولكنه دسها في أرشيف الكونجرس من أجل هذا) … المهم أن الشعب الأمريكي كان يلقي أحذيته القديمة ويرتدي القمصان المكتوب عليها عبارات كارهة للألبان وهم يظنون أنفسهم ينصرون قضية حقيقية … لكن في الحقيقة هم يُحركون كعرائس الماريونيت ويُستخدمون من منتج أفلام يريد للرئيس الأمريكي أن يفوز بالانتخابات … نفس القصة تبدو لدينا … نظن أننا ننصر الإسلام والنبي بالتظاهر والاعتراض، بينما نحن نُحرك كعرائس الماريونيت وقد تكون هناك جهة تستخدمنا تريد أن تنقل هذه الصورة للعالم الغربي في هذا التوقيت تحديداً.

ثانياً: هناك من تعامل مع قضية التظاهرات من ناحية تجميل صورتنا أمام الغرب، وأن هذا لا يليق، وأننا نشوه صورة الإسلام والنبي أمام العالم كله. وما أراه أن الأمر لا يُقاس من هذه الزاوية …

عندما ذكر الفيلم أن الحكومة الألبانية تصرخ وتؤكد كل يوم أنها بريئة من الاتهامات، أظهر أنه لا أحد يهتم بهذا الكلام في الولايات المتحدة، وأظهر أن أصوات الحكومة الألبانية وشعبها لا تصل للشعب الأمريكي أبداً. بل إنهم جاءوا بفتاة ألبانية وجعلوها تصور فيلما في هوليوود وكأنه يتم إنقاذها من الدمار هناك، وجاءوا بسيدة أخرى والرئيس الأمريكي يضع معطفاً على كتفها ليقيها المطر، بل وغيروا المكان الذي ستنزل فيه طائرة الرئيس لأن الأرصاد الجوية قالت إن هناك مطر في هذه المنطقة، وهو ما يناسب مشهد السيدة والمعطف.

باختصار، لا يهم الاهتمام بجمال صورتنا أو بقبحها، لأن الساسة الأمريكان هم الذين يتحكمون في صورتنا. إن أرادونا أن نظهر كالملائكة أمام شعبهم فسنكون ملائكة وإن أرادونا أن نظهر إرهابيين مجانيين فسنظهر … إن أرادوا أن يجعلونا كلنا ننتمي للقاعدة فهم يملكون … إن الحضارة الأمريكية هي حضارة “ إعلامية “ بالأساس … تعتمد على الإبهار … لذا فأن نطلب من أنفسنا أن نكون ملائكة حتى لا نشوه صورتنا هو طلب ساذج في الغالب … إنها السياسة قبل كل شيء … وأنت من مكانك هنا لا يمكنك أن تتحدى الآلة الإعلامية الجبارة هناك … هناك جهود بالفعل لإنقاذ هذه الصورة لكنها تتطلب أموالاً طائلة وجهوداً كبيرة وتواجداً هناك … تتطلب شراء أسهم في وسائل الإعلام الأمريكية وصناعة أفلام في هوليوود وتفاعل كبير باللغات الأجنبية على مواقع التواصل الإجتماعي.

في بداية الفيلم كُتب على خلفية سوداء سؤال … لماذا يحرك الكلب ذيله؟!
Why does a dog wag its tail
وكُتبت الإجابة أن الكلب يحرك ذيله لأن الكلب أذكى من ذيله
ولو كان الذيل أذكى، لحرك هو الكلب
فمن الكلب ومن الذيل؟!

ويمكن من هنا أن نعرف لماذا جاء اسم الفيلم هكذا. باعتقادي، هذا الفيلم يجب أن تشاهده هذه الأيام وبأسرع وقت ممكن ، لأنه يتكرر في الواقع الآن … مادمنا الآن في قلب الانتخابات الأمريكية.

بقلم: عماد الدين السيد

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.