العالم الموازي

• لا نكون دائما ما نبدو عليه ، فطبيعة الانسان غالباً ما يغلب عليها الصراع ، ولا أقصد بالصراع “الصراع الخارجي” بل “الداخلي” ، فجميعنا لديه عالمه الذي يسرح فيه بعيداً ، ربما ينتُج هذا العالم عن التفكير الكثير والدائم أو عن هروب الشخص من الواقع الي عالم يعتقد أنه الأفضل والأصدق.

قد يصمت الكثير منّا وسط الجموع أو الحشود. لا تظن دائماً أن هذا الصمت نابع عن عدم رغبة في الاختلاط بالآخرين ، بل قد يكون ذلك العالم الآخر قد أخذ هذا الشخص بعيداً بعد أن شرد إليه بخيالاته ، ذاك العالم الآخر هو ما يُطلق عليه العالم الموازي.

نحتاج أحياناً الي وقت مخصص لنفكر بنظرة متأملة ومختلفة الي العالم ، ولنضع الكثير من الافتراضات ونتخيل أحداثاً لم تأخذ مكاناً بعد في الواقع ، ومن الممكن ألا تأخذ مكاناً أبداً فنلجأ إلى الخيال لنشعر بها حقيقة.

كم من مرة نظرت إلى السماء وشعرت بها تخبرك أسراراً حتي ظننت بأنها أقرب إلي السحر. كم من مرة رويت للقمر أسراراً لا يعرفها أي إنسان ، وكم من مرة تأملت النجوم وشعرت ببريقها يملأ روحك حتى كاد يخطفك من عالمك؟

إذا حاولنا حصر الأسباب التي كثيراً ما تجعلنا نخرج عن الواقع فلن يتم حصرها. كثيراً ما قد نحتاج إلى أن ننفصل عن هذا العالم ، وعن مشكلاتنا وآلامنا ، وهذه هي أفضل الطرق لتحقيق ذلك. وإذا حاولنا حصر الأنواع المختلفة للعالم الموازي داخل كل فرد فلن نستطيع لأن جميعنا مختلفون ، وفي داخلنا العديد من الافكار التي يمكنها تعمير بلاد وبناء حضارات بأكملها.

ما هو عالمك؟ ولماذا تلجأ اليه؟ هل يحقق لك هذا العالم رغباتك أكثر من الواقع؟ وبماذا تشعر في ذلك العالم؟ جميعها أسئلة أنت وحدك الذي يعلم إجاباتها ، ولكن من الممكن أن نطرح بعض الإجابات.

قد يكون هذا العالم متمثلاً في حب الطبيعة ومناجاتها ، فكثير منا يسمع عن حب شخص ما للبحر حتى أنه يُقال عن البحر إنه مأوي الاسرار … فكم من مرة شعرنا بهمومنا تتكاثر وأفكارنا تتهاوى من جميع الجوانب ، ولجأنا الي البحر نقصْ عليه ما يدور في خاطرنا سواء بالجلوس أمامه ، أو بالسير والنظر اليه ، ثم شعرنا بنوع من الارتياح وبالمزيد من الطاقة الايجابية التي تجعلنا نشعر وكأننا حيينا من جديد.

وفي ذلك أحب أن أوضح شيئاً وهو أنه ليس من الضروري أن تكون حزيناً أو مليئاً بالهموم كي تلجأ الي الطبيعة أو العالم الموازي عامة ، فمن الممكن أن نشارك هذا العالم أفكارنا وطموحاتنا وأحلامنا وكذلك أفراحنا ، فنشعر بالمزيد من الايجابية والراحة. قد يتمثل هذا العالم أيضاً في الأفكار التي تحملنا بعيداً قبل النوم ، فأغلبنا تحدثه نفسه قبل النوم بأفكار وأحداث بعضها خيالية وبعضها أمنيات نسعى إلى تحقيقها ، أو حتي نلوم أنفسنا عمّا بدر منا من بعض المواقف أو الكلمات.

هل يحقق لنا هذا العالم رغباتنا أكثر من الواقع؟ إذا ما قمنا بعمل استفتاء حول هذا السؤال أعتقد أن معدلات الإجابة بـ “نعم” ستكون الغالبة على الأرجح ، ففي بعض المواقف قد نتمنى أحياناً أن يرجع بنا الزمن لتغيير فعل معين أو كلمة تفوّهنا بها نتمنى لو بالإمكان محوها ، وكثيراً ما نتخيل أحداثاً ليس من الضروري أن تقع ولكن خيالنا يجعلنا نتخيلها بأكملها حتي نكاد نصدقها ، ولنضرب مثلاً على ذلك حين يتخيل شخص ما أنه وصل إلى منصب عالٍ يرغبه بشدة وأن أشخاصاً من ماضيه نادمين علي تخليهم عنه، فيشعر بالارتياح الكبير حيال هذا التخيل.

إن هذا العالم ليس بالفعل عالم خيالي إنما قد يكون في كثير من الأحيان واقعنا ، فهو العقل الباطن الذي يحفظ هذه التراكمات من أفكارنا ويرغب فيها بشدة حتي يمكنه تحقيقها ، لذا علينا أن نحرص دوماً على ما نحفظه في العقل الباطن لأنه سيؤثر بالتأكيد في قراراتنا ومشاعرنا ، حتى أنه يمكنه أن يرسم مستقبلنا وأن يتحكم فيه أيضاً.

بقلم روان أحمد

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.