أسطورة الحب من أول نظرة

تلتقي عيناك بعينيها السوداوين المكحلتين عبر طاولات تملأ القاعة ، وبين رؤوس ناطقة تتحرك يمنة ويساراً ، و الضوضاء الصاخبة تملأ أرجاء المكان. تتسارع دقات قلبك و يخفق بقوة ، تشعر وكأنك تقف على شفير الهاوية. ينتابك إحساس و كأنك تحلّق بين السحاب في كبد السماء. حصل ذلك كله في لحظة واحدة ، لكنها كانت كافية لتدرك أنك عثرت على ضالتك ، ووجدت القطعة الناقصة من الأحجية التي تسميها … حياتك. وجدت المرأة التي ستكمل معها نصف دينك ، وتعوض النقص الموجود في حياتك. لقد وجدت بنت الحلال التي سوف تغنيك عن نساء العالمين … من نظرة واحدة.

كلام أفلام طبعاً. فهذا ما يحصل في الأفلام السينمائية التي تُقلّد فيها النساء دور البطولة في معظم الأحيان. لكن ماذا عن الواقع الحقيقي؟ هل يمكن فعلاً لشخصين غريبين عن بعضهما البعض أن يقعا في الحب دون مقدمات ، وبهذه السهولة ، ومن نظرة واحدة يشتعل بينهما غرام عنيف مثل حب روميو وجولييت أو قيس وليلى؟

يقول خبراء العلاقات الاجتماعية إن الحب من أول نظرة للأسف هو من الأمور شديدة الندرة. ففي دراسة بحثية حول هذا الموضوع أشار 11% من المتزوجين فقط ممن شملتهم الدراسة بأنهم أحبوا بعضهم البعض من النظرة الأولى. هذه الدراسة التي أجرتها الباحثة الاجتماعية أيالا مالاش باينز ، مؤلفة كتاب يحمل عنوان “الوقوع في الحب: لماذا نختار العشّاق الذين نختارهم” ، كشفت أيضاً عن أن ثلث المتزوجين الذين شملتهم الدراسة أقروا بأن وقوعهم في غرام بعضهم البعض قد جاء بشكل تدريجي.

من منّا يريد أن يضيع وقته في مشاهدة شاب وشابة في فيلم وهما يقعان في غرام بعضهما البعض خلال سلسلة من تجارب جس النبض ، وتعّرف كل واحد منهما على مميزات الآخر ، والتطرق إلى هوايات كل منهما أو التحدث عن كتبه المفضلّة أو المسلسلات التلفزيونية التي يحبها ، أو حتى مناقشة نوع القهوة التي يشربها؟ طبعاً لا أحد. إن مشاهدة فورة جائحة للمشاعر والأحاسيس بين شخصين في أي فيلم عادة ما تكون كافية لإعطاء الفكرة المطلوبة للمشاهد حول وقوع البطل والبطلة في غرام بعضهما البعض. وقد يكون هذا بعينه سبب سقوط بعض الأشخاص ، رجالاً ونساءً على حد سواء ، في فخ الحب من أول نظرة ، مرة تلو الأخرى ، تلو الأخرى.

تستحضرني هنا شخصية كرتونية قديمة تُدعى Pepe من سلسلة كرتون لوني تونز. بيبي وهو ظربان (حيوان أشبه بالسنجاب) يتكلم الإنكليزية بلهجة فرنسية ، كان دائم البحث عن الحب ، وكان يقع في غرام بينولوبي في كل حلقة تقريباً. النقطة التي أريد توضيحها هي أن هناك فرق بين الحب من أول نظرة والاشتهاء من أول نظرة. إن بنولوبي ، ومازال الحديث هنا عن الشخصية الكرتونية ،  لم تكن من بني جنس بييبي كما كان يظن ، بل كانت قطة سوداء على ظهرها خط أبيض. أي بتعبير آخر فإن علاقة بينولوبي و بيبي كان محكوماً عليها بالفشل من البداية، لأنه لا يمكن أن يكونا شريكين سوياً مدى الحياة.

فالعين ترى أحياناً ما تريد أن تراه لاسيما إذا كان الناظر متأثراً بأفكار ما أو بمادة ما … لا سمح الله. لكن ما يثير الفضول هنا هو أنه في حال حصول هذا الإعجاب الفوري بالشكل والقوام ، فإن الذكر  عادةً ما يكون هو الضحية. وهذا ما يعتبره الدكتور ديفيد بوص أخصائي التطور السيكولوجي ، بأنه من الأمور المنطقية تماماً. فقد توصل د. ديفيد من خلال أحد أبحاثه إلى أن الرجل عادة ما ينجذب إلى شكل وقوام المرأة ، لأن في ذلك إشارات غريزية مبطنة تدل على خصوبة المرأة وقدرتها على إنجاب ذرية له. أي من ناحية سيكولوجية تطورية بحتة ، كان “الحب من أول نظرة” عند الرجل والمرأة الأوائل (ربما إبان العصر الحجري ، الله أعلم) وسيلة للشروع في  اتحاد بين الذكر والأنثى وسبباً لبدء أسرتهما الخاصة.

أما من المنظور العصري ، يعتبر الباحثون في جامعة أبردين في سكوتلنده أن الحب من أول نظرة هو موجود فعلاً ، لكنه عادة ما يرتبط بغرور وتعالي المرء وبالعلاقات الجنسية ، وليس بالحب الحقيقي والمشاعر الصادقة. خلاصة الحديث عزيزي القارئ هي أن انجذاب أي شخصين لبعضهما البعض يتوقف على قبول وإعجاب كل منهما بالآخر في أغلب الأحيان و … بدون إكراه.