ملحمة جون أندرسون

“ملحمة جون أندرسون” كتاب من عشر فصول ،ألفه باتريك برودي ونشرته جمعية أوسغود بتاريخ 1989. يركز الكتاب على النتائج القانونية والسياسية التي لحقت بالنظام القضائي الكندي نتيجة لقضية أندرسون، حيث يرسم الكتاب صورة مُحددة للمواقف السياسية والقانونية في المناطق الأمريكية التابعة للنفوذ البريطاني وفي الولايات المتحدة خلال الخمسينيات من القرن الثامن عشر. كما يكشف الكتاب أيضاً مشاعر الصراع الذي تجسدت في رجل واحد خلال رحلته بحثاً عن الحرية.

كان جون أندرسون عبداً أمريكياً أسود ولد عام 1831 تقريباً في مقاطعة هاورد بميسوري . وقع أندرسون في غرام أرملة كان والدها من العبيد الذين اشتروا حريتهم ، وقد تزوج بها أندرسون في النهاية. تسببت زيارات أندرسون المتكررة إلى زوجته ووليده الجديد في إزعاج سيده موزيس بورتن الذي اعتبر أندرسون شخصاً مهملاً لأعماله ومتحدياً لسيده. قاده انزعاجه هذا من أندرسون إلى بيعه إلى رجل آخر من مقاطعة سايلين يدعى ماكدانيل. أوضح السيد الجديد لأندرسون أن الأخير لن يرى زوجته وابنه في حياته مرة أخرى. فقرر أندرسون عندئذ الهروب إلى كندا كي يعمل ويشتري حرية أسرته.

خلال الفترة التي كان فيها هارباً عام 1853 ، وجد أندرسون نفسه في مواجهة مع رجل أبيض يُدعى سنيكا ديغز، ووفقاً لقوانين الولاية التي يقطنهاذلك الرجل كان يمتلك سلطة القبض على أي عبد هارب وإعادته إلى سيده. حاول ديغز وثلاثة من عبيده الإمساك بأندرسون ، غير أن محاولتهم باءت بالفشل. انتهت تلك المطاردة بمواجهة فردية جمعت أندرسون وديغز وحديهما ،طُعن على أثرها ديغز بسكين صغير ليموت في وقت لاحق متأثراً بجراحه. بمقتل ديغز، صدرت مذكرة اعتقال بحق أندرسون لمعاقبته على جريمته. وعليه تم تكليف صائد جوائز أمريكي ورجل تحر من وندسور للعثور على أندرسون لقاء مكافأة مالية كبيرة.

بعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر إلى الولايات الشمالية، تمكن أندرسون من العبور إلى كندا حيث رحب به ودعمه أنصار حركة إلغاء العبودية. أمضى أندرسون بعض الوقت في وندسور ثم انتقل إلى مدينة تشاذم بعد أن علم بوجود صائدي جوائز يبحثون عنه. استقر أندرسون أخيراً في إقليم برانت حيث اشتغل بأعمال البناء.

إثر مشادة كلامية بين أندرسون وأحد أصدقائه الهاربين من العبودية، قام الأخير بإبلاغ قاضي بلدة أونانداغا بأن أندرسون مطلوب للعدالة بتهمة قتل رجل من ميسوري. ألقي القبض على أندرسون تنفيذاً لأوامر من القاضي ويليام ماثيوز ، إلا أن أندرسون أفرج عنه بعد أربع أسابيع بسبب التأخر في استلام طلب الترحيل. ألقي القبض على أندرسون مرة ثانية فيما بعد وأودع السجن في برانتفورد بانتظار قرار يحدد ما إذا كان ينبغي ترحيله عن البلاد أم لا.

وجدت قضية أندرسون في النهاية طريقها إلى الصحف حيث اهتم بها الرأي العام اهتماماً شديداً. وقد نظر قاضي القضاة روبينسون في قضية أندرسون للحكم فيها وقرر بمعاونة القاضي برنز ترحيل أندرسون ، غير أن قرار القاضي الثالث ماكلاين اعتبر “تجسيداً لمشاعر قضية مكافحة العبودية”. وبعد مداولات قضائية طويلة تم قلب قرار المحكمة وصُرفت القضية استناداً إلى بعض الأخطاء التقنية وبرئت ساحة أندرسون.

ينقسم كتاب ملحمة جون أندرسون إلى قسمين ، قسم يضم أحداث تاريخية وآخر يصف بعض الإجراءات القانونية المحضة ، فيما يندرج كلا القسمين تحت مظلة واحدة هي الصراع الذي عاشه ذلك العبد الأمريكي الأسود الهارب من القانون. يتجسد القسم التاريخي من الكتاب في حقيقة أن عملية السفر والترحال مع حلول القرن الثامن عشر كانت قد أضحت من الأمور السهلة على نحو متزايد. وأمام هذا الواقع تم سن قانون خاص بالعبيد الهاربين يهدف إلى تسهيل إعادة القبض على أي منهم حتى لو تواجد على أراضٍ كندية ، واستمر العمل بهذا القانون حتى بداية الحرب الأهلية الأمريكية.

ما أثارته قضية أندرسون من جدل استطاع في وقت من الأوقات أن يُهدد استقلالية النظام القضائي الكندي ، كما أنها أثارت مشاعر عدم الاستقرار بين بريطانيا والأمريكيين في الولايات الجنوبية. وعلى إثرها أقرت الحكومة الأمريكية قانوناً خاصاً بالعبيد الهاربين عام 1850 ، تلاه قانون خاص بالعبيد المذنبين الذي أقرته الحكومة الكندية عام 1833. منح هذا القانون للحاكم العام سلطة إصدار قرار الترحيل بناءً على مبدأ الجرم المزدوج ، أي أن الجريمة يجب أن يكون معترفاً بها في كل من البلدين قبل إصدار قرار رسمي بترحيل المذنبين.

خلال الفترة الزمنية نفسها تم التوقيع على اتفاقية وبستر – أشبرتن بين بريطانيا والحكومة الأمريكية عام 1842. وكانت تلك الاتفاقية نتيجة للتمرد الذي وقع على متن إحدى السفن الأمريكية المعروفة باسم كريول ، حيث استولى العبيد فيها على القيادة وقتلوا رجلاً واحداً من طاقمها. نصت المادة العاشرة من اتفاقية وبستر ـ أشبرتن ترحيل الأفراد “المتهمين بسبعة من الجرائم غير السياسية” فقط ، وهي “القتل أو الاعتداء بنية القتل ، أو القرصنة أو الحرق المتعمد أو السرقة أو التزوير أو استخدام أوراق زائفة. كانت تلك العناصر القانونية سارية المفعول عند وصول أندرسون إلى وندسور في نوفمبر/تشرين ثان من عام 1853. ولنحو سبعة أعوام منذ وصوله إلى كندا ، كان أندرسون موضع جدل كبير أدى إلى ظهور تحديات قضائية عديدة.

بواسطة حسام مدقه

إعلامي حائز على شهادتي الليسانس في الأدب الإنكليزي وفي علوم الاتصال ووسائل التواصل والسينما. عمل مترجماً متفرغاً مع عدد من محطات التلفزة وشركات إنتاج مرموقة ببيروت وعواصم عربية أخرى meddaka.wordpress.com