طلاق إمرأة “أنيقة”

كانت هي وزوجها موظفين براتبين معقولين، يسمحان لهما بأن يكونا من الطبقة الوسطى، وباستئجار شقة في منطقة راقية بالمدينة، وإلحاق الأولاد بمدرسة خاصة تؤمّن لهم مستوى رفيعاً من التعليم.

وكان يمكن للأمور أن تكون مريحة في حياة الزوجين الشابين، لولا أن الزوجة لديها نوع من الهوس وإدمان التسوق؛ فمع بداية كل موسم كانت “تتبرّع” بثيابها “القديمة” التي اشترتها في الموسم الفائت، لتشتري ملابس أخرى جديدة، فهي امرأة لا تقوى على ارتداء القطعة الواحدة مرتين، وكانت الثياب التي تشتريها من ماركات عالمية غالية الثمن، لا تتناسب ومدخولها ومدخول زوجها، فتلجأ بكل بساطة إلى استدانة المال من الأقارب والصديقات من دون إبلاغ زوجها بذلك، تحاشياً للدخول في جدل لا يغيّر في الأمر شيئاً سوى حرق أعصابها وأعصاب زوجها!

وهذا النوع من الهوس بالتسوق هو في الحقيقة مرض نفسي، ويُعرف علمياً بـ “جنون الشراء القهري”. ومن الممكن علاج هذا المرض، لولا أن أغلبية المصابين به لا يعون حالتهم، أو أنهم ببساطة.. ينكرون وجودها.

وقد يظن بعضهم أن إدماناً من هذا النوع يقتصر على النساء من دون الرجال، إلا أنّ الإحصاءات والدراسات الحديثة تُظهر تفشي هذه الحالة بين الجنسين على السواء، وأن عدم ملاحظته بوضوح لدى الرجال يعود إلى نوعية المشتريات التي يدمنون شراءها، كالسيارات والإلكترونيات الحديثة والمعدّات الكهربائية، بينما يتوجه هوس الشراء لدى النساء نحو الملابس والأحذية والإكسسوارات. ومن المفاجئ أيضاً أن إدمان التسوّق يصيب أبناء الطبقات الدنيا أكثر مما يصيب الأغنياء!

وليس بالضرورة أن يقوم مدمنو التسوق بالشراء، والحصول فعلياً على الأمور التي يرغبون في شرائها، فالأغلبية العظمى من النساء يمارسن “التسوّق النظري” من خلال النظر إلى الواجهات فقط، فهناك امرأة لا يصيبها التعب حين تُمضي نهارها كاملاً في استطلاع واجهات المحال التجاريّة، وقد تدخلها لتجريب فستان أو بنطلون، في أكثر من محل تمر به من دون أن تشتري شيئاً، وكل أصحاب المحال يعرفون ذلك، إلا أنهم لا يستطيعون الاعتراض.

والمرأة التي تدمن التسوق هي في الأغلب غير راضية عن هويتها وحضورها شكلاً ومضموناً ومكانة، لذلك فهي تلجأ إلى اقتناء أشياء تساعدها على تحسين وضعها النفسي الذي يجعلها تشعر بالإحباط، فتدخل في “فورة” من التسوق، تبدو خلالها وكأنها تخلّص نفسها من التوتر، ومن القلق الذي سرعان ما يتحوّل إلى شعورٍ بالراحة، لفترة وجيزة. لكن ذلك شعور مؤقت، لا يلبث أن يُدخلها في إحساس بالذنب، وخصوصاً حين تنتبه إلى كمية المال المبالغ التي أنفقتها على أشياء لن تستعمل معظمها في الواقع، لأنها إما أشياء غير عملية، أو لا تليق بها، أو لأسباب أخرى غير واضحة، فالهدف من الشراء هو عملية الشراء ذاتها، التي لا ينتج عنها سوى المزيد من الديون!

وقد تصل مسألة إدمان التسوّق إلى ما لا تُحمد عقباه، مثل تلك الزوجة التي كانت تجلس مع زوجها، بحضور ابنة خالتها وزوجها اللذين كانا يحاولان إصلاح ذات البين، وتهدئة الأمور حتى لا تصل إلى الطلاق، وفي أوج الحديث عن المشكلات المتراكمة والحلول الممكنة، ومن خلال دموعها المنهمرة، شهقت الزوجة، حين نظرت إلى ابنة خالتها، قائلة: “رائع لون أحمر شفتيك! ما ماركته؟ ومن أين اشتريته؟” فسكت الجميع،  حين قال الزوج: “فالج لا تعالج”.. وحصل الطلاق!

عبد الكريم بيروتي
كلام نسوان

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.