الحب الانصهاري … الجميل

قديماً، كانت المرأة تبحث عن “توأم روحها” الذي يفهَم ما تريد أن تقوله حتى من دون أن تتكلّم، وعن رجل يتصرّف بالطريقة التي تُعجبها، من دون أن تطلب منه ذلك مباشرةً أو مداورة. والأمر نفسه بالنسبة إلى الرجل الذي يتمنّى أن يلتقيَ امرأةً تفهمه، وتعرف ما يحبّ ويكرَه. وهذا ما يسَمّيه الخبراء “الحبّ الانصهاري”، أو “الاندماجي”، بين شريكين لا يفترقان، ويمارسان الهوايات والاهتمامات نفسها. ولكن يبدو أنّ هذا النوع من الحبّ الرومانسي قد اختفى تقريباً مع سيطرة العقلية الفردية، والتمسك بالاستقلالية الشخصيّة، إلّا أنّ بعضهم مازال يحِنّ إلى ذلك النوع من الحبّ الانصهاري الجميل، ولكنّه يصبح “غيرَ صحّي” إذا تطوَّرَ واستمرَّ فترةً طويلة. وكما يوضح الاختصاصيون في علم النفس، فإنّ الحبّ الانصهاريّ، المعروف أيضاً بالحبّ “الاتّكالي” قد يصبح مؤذياً حين يمحو شخصيّة الشريكين معاً، والمزايا الخاصة لكل منهما اجتماعياً وعاطفياً، وقبولهما مبدأ الاتكالية الذي يكشف عن تركيبة نفسية هشَّة، تَخلو من الثقة بالنفس.

ومِن جهته، يقول مؤلف كتاب “الحب الانصهاري” الطبيب النفسي الفرنسي فيليب برينو، إنّ العلاقة الانصهارية تعتمد بصورة أساسية على كلمة “نحن” التي تتفوّق على مبدأ الفردية والشخصية المستقلة، فمثل هذا النوع من الحبّ مرفوض بصورة مطلقة، لأنّه يؤدّي إلى حرمان الفرد من الاعتداد بشخصيّته الخاصّة؛ ما يدفعه مع مضيّ الوقت إلى خطر الانطواء والانزواء، بحيث يَشعر الشريكان وكأنّهما يعيشان بمفردهما في سجن عاطفي شديد البرودة والملل. ويشير الطبيب الفرنسي إلى أنّ هذا النوع من الحبّ الاتّكالي يعود في الواقع إلى مراحل الطفولة الأولى، والأشخاص الأكثر عرضةً لهذا النوع من الحب، هم الذين يخشون عدم قبول الآخرين لهم، أو تعرّضوا لصدمة نرجسيّة مبكرة في طفولتهم تدفعهم إلى البحث بأيّ طريقة عن الحبّ الهادئ، والأمان العاطفي.

وتعدّد الاختصاصية في “عِلم نفس الأزواج” سلمى مارين بعض مراحل الحبّ المختلفة، مشيرةً إلى أنّ “الحب الانصهاري” مرحلة طبيعية وخصوصاً في بداية العلاقة، أي في مرحلة التعارف واكتشاف الآخر، ثم تأتي مراحل التميّز والخلافات الأولى والاكتشافات الجديدة، التي تساعد كلاً من الشريكين على تكوين وبناء شخصيته المستقلّة، وتحقيق التوازن في خضَمّ العلاقة المشتركة. ولكن عندما لا يتمكّن الشريكان من الوصول إلى المراحل الأخرى، فإنّهما “يَعلقان” في شباك العلاقة الاتّكالية.

والواقع أن هذا النوع من الحبّ قد تراجَع في ظلّ نموّ العقلية الفردية الداعية إلى الحفاظ على الاستقلالية الشخصية، في خِضَمّ العلاقة المشترَكة، خصوصاً أنّ الأزواج في عصرنا الحالي باتوا يَبحثون عن المزيد من الاستقلالية في علاقاتهم العاطفية وارتباطاتهم العائلية، كأن يحافظ كل فرد على حياته الخاصّة، التي كان يعيشها في مرحلة العزوبية، وعدم التخلّي عنها، حتّى بعد ارتباطه بعلاقة زوجية رسمية.

وهناك من يؤكّد أهميّة مبدأ الاستقلالية في خِضمّ العلاقة الزوجية والعاطفية المشتركة، فالحرّية في العلاقة تعاكس مبدأ “الحبّ الانصهاريّ” وتضمن للشريكين حرّيتهما الفرديّة بعيداً عن الانطوائية، والإحباط الناجم عن عدم المساواة بينهما؛ ذلك أنّ الانفتاح على الآخر، والحفاظ في الوقت نفسه على الحرّية الفردية والاستقلالية في خِضمّ العلاقات العاطفية الحاليّة بشكل يعيد ترسيمَ العلاقات السليمة، والإخلاص العاطفي والزوجي بين طرفين، لكل منها مزاياه الحميدة.. والخبيثة!

عبد الكريم بيروتي
كلام نسوان

بواسطة راديو بيتنا

صوت المهاجر العربي من راديو بيتنا تأسس عام 2010 ويتخذ من مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو مركزاً له. ويُعنى بالشأن الفني والاجتماعي والاقتصادي في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.