المؤامرة في الفكر العربي

• في ظل حالة العنف والتطرف المنتشر في دول المنطقة العربية ، يبدو أن التغيير والإصلاح الاجتماعي والسياسي يعيش حالة من الضبابية في ظل هذه الصراعات والنزاعات ، فأصبحت القوى السياسية والمجتمعية تلقي باللوم على الجهة الأخرى لتتنصل من مسئوليتها تجاه ما يحدث.

فإندلاع ما يسمى بالثورات العربية والتي حدثت في السنوات الأربع الأخيرة ، أنتج الحديث بكثرة عن وجود مخططات ومؤامرات خارجية من أجل إحداث فتنة واضطرابات في البلدان العربية . فلفظة المؤامرة باتت تتكرر كثيراً على ألسنة المحللين السياسيين أو المختصين الإجتماعيين عبر وسائل الإعلام ، وصار مصطلح ما يعرف بـ “نظرية المؤامرة” متداولاً وشائع الإستخدام لدى الكثيرين. وكما قال الإعلامي المصري يسري فودة بأن “المصيبة الكبرى أن تلقي بنفسك طوعاً إلى بوابة نظريات المؤامرة كمدخل سهل لتفسير الأمور”.

إن نظرية المؤامرة كمصطلح شاع في العالم العربي منذ زمن بعيد وكان يعرف بالخدعة أو الحيلة ، يقصد به ” تبرير للأحداث الداخلية من خلال محاولة رمى الحمل وتبعيات هذه الأحداث على جهات أخرى خارجية” ، أو ” محاولة لشرح الأسباب لحدث أو سلسلة من الاحداث السياسية والاجتماعية أو التاريخية على أن هناك وجود لمجموعة متأمرة منظمة هي وراء تلك الأحداث ” .

هذه النظرية هي أسهل شئ يمكن من خلاله إزالة الحمل عن كاهل الجهات المعنية في الدولة ، فأصبحت النظرية كالشماعة التي تعلق عليها تفسيرات لتلك الأحداث ، ولتلافي الشعور بالذنب ولتتنصل تلك الجهات من مسؤولياتها ، ولتختصر من خلاله عناء البحث عن الأسباب الحقيقية لحدوثها . فأغلب الأزمات في الواقع العربي تحال إلى العوامل الخارجية رغم أن المؤامرة ليست دائماً خارجية ، بعض الأحيان تكون داخلية وتحاكُ في الخفاء من قبل بعض الجهات للاستحواذ على سدة الحكم.

خرافة المؤامرة أبرزت معالم المشهد العربي اليوم من تصاعد للعنف والطائفية الحزبية والمذهبية وبروز العديد من الجهات المتطرفة والجماعات الإرهابية، ورغم ذلك لا يمكن إنكار عدم وجود التآمر ، فهو موجود اذا كان هناك أدلة تدل على وجوده فلا يمكن تجاهلها أو المرور عنها . إلا أن هذه النظرية تبين واقع الفكر لدى العديد من العقليات العربية التي تعيش حالة من التبلد الفكري، وعدم الرغبة في ادخال أفكار جديدة أو حتى سماعها ومناقشتها ، وذلك نتيجة للإقصاء والتهميش ، الذي تعانيه الشعوب الرازحة تحت سطوة الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية.

العقل العربي أصبح يعرف ما لا يريد ويعجز عن تحقيق ما يريد ، فهو سجين أفكاره من شدة سطوة الأنظمة ، التي خلفت ورائها أجيالاً وأجيالاً تعاني من الضياع والخوف والجهل والتخلف والظلم والقهر، وتحارب الرأي الآخر وتضيق الخناق عليه من أجل تضليل الرأي العام ولمحاربة تنشيط العقول وتنويرها ولإستمرار في تنميط العقل وتأطيره في قوالب معينة يحددونها لهم ، وكما قال المفكر البريطاني توماس هلسكي: ” أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئاً دون أدلة”.

الكثير من العقليات تعلقت بالأوهام والخرافات والأحداث التاريخية الماضية التي سهلت وبشكل كبير انتشار فكر المؤامرة وتصديقها بين الأفراد في المجتمعات ، وهو ما أنتج حالة من عدم الرغبة بفعل أي شئ لمواجهة ما يحدث ، فأصبحت المؤامرة هي المخدر الذي توقف به العقول عن التفكير، وكما يقول افلاطون :”نحن مجانين اذا لم نستطع أن نفكر ، ومتعصبون اذا لم نرد أن نفكر ، وعبيد اذا لم نجرؤ على أن نفكر”.

فهناك عقليات كثيرة تربت على الأنانية وحب الذات والكراهية وعدم تقبل الآخر ، كل هذا بسبب الإستسلام للعادات والتقاليد والأعراف والطرق التربوية الإجتماعية والأسرية الخاطئة والمناهج التعليمية ، ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه :” ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم”.

فالعجز الفكري أدى إلى قتل الإبداع والبحث والتنمية ، فلابد من احداث ثورة في الفكر والإيمان بأهمية الرأي الآخر، لكى نعيش بسلام ، والإيمان بأن الرأي ليس حكراً على أحد ، عوضاً عن البناء والنماء وانتهاج مبدأ الحكمة فتكون العقول متحجرة ومنغلقة لا تتفاعل مع الأفكار والأحداث من حولها .

العقل العربي لا يختلف عن باقي العقول من الأمم ، لكننا اليوم نعيش في زمان مختلف عما مضى ، نعيش عصراً من التطور والانفتاح بين دول العالم ، فما نعانيه اليوم من انقسامات وأزمات وصراعات كان نتيجة لجؤنا إلى اتهام الآخر بأنه وراء ما نعانيه ، وبذلك نغفل عن معالجة الأسباب الحقيقية ، فتستمر المعاناة والأوضاع المتردية دون حل .

وهنا أتسأل ألم يحن الوقت أن نُحّكم العقل ونفيق من غفوة الجهل؟ وأن نكّف عن لوم الآخرين والخروج من نظرية المؤامرة؟! فإذا أردنا أن نعيش باستقرار علينا أن نحدث ثورة في عقولنا لنحطم بها كل القيود التي تفرضها الأنظمة المستبدة ، وذلك لإحداث تغير حقيقي في حياتنا.

بواسطة نهى النيرب

كاتبة ومؤلفة عربية مقيمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية